تأملات قرآنية (2)
التقوى ثمرة من ثمار الصوم
إخواننا الكرام، أخواتنا الكريمات:
أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين”. ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام، وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ومع الآية الرابعة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. ﴿ البقرة ١٨٤﴾
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
يخاطب الله جل وعلا عباده المؤمنين بنداء الإيمان فيقول لهم: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، فرض الله عليكم الصيام كما قرضه على الأمم قبلكم؛ لعلكم تتقون ربكم، فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده. ثم يخبرهم أن أمة الإسلام التي هي خير الأمم ليست بدعا من الأمم، وأن رسولهم الذي أرسل إليهم ليس بدعا من الرسل، وأن الصيام لم يفرض على أمة الإسلام وحدها دون سائر الأمم، بل فرض عليهم كما فرض على الأمم السابقة، فقال: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبلِكُمْ}. ثم رغبهم في الصيام وحبَّبهم فيه بما يُهَوِّنُ عليهم صيامه، ويخفف عنهم مشقته فقال: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}. لقد فرض الله عليكم صيام أيام معلومة العدد وهي أيام شهر رمضان.
ثم يبين الله جل في علاه الحكمة من فرض الصيام على أمة الإسلام، ألا وهي التقوى، فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} حيث ينبغي للصائم أن يتخرج من مدرسة الصيام وقد تحققت في نفسه التقوى بجميع صورها وأشكالها: الرضا بالقليل، والخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل. ثم رخَّص تبارك وتعالى لأصحاب الأعذار الشرعية، فمن كان منكم مريضًا يشق عليه الصوم، أو مسافرًا فله أن يفطر، وعليه صيام عدد من أيام أُخَر بقدر التي أفطر فيها. وعلى الذين يتكلفون الصيام ويشقُّ عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير، والمريض الذي لا يُرْجَى شفاؤه، فدية عن كل يوم يفطره، وهي طعام مسكين، فمن زاد في قدر الفدية تبرعًا منه فهو خير له، وصيامكم خير لكم -مع تحمُّل المشقة- من إعطاء الفدية، إن كنتم تعلمون الفضل العظيم للصوم عند الله تعالى.
معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا، شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك، فيأتمرون بأمرك، وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقدرونك حق قدرك، ترضى عنهم، ويرضون عنك، واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام، والدعاء والسجود والقيام، ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.