تأملات قرآنية (3)
شهر رمضان شهر القرآن
إخواننا الكرام، أخواتنا الكريمات:
أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:
أحبتنا الكرام :
نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين”. ثم أما بعد:
فتعالوا معنا أحبتنا الكرام، وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ومع الآية الخامسة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة. يقول الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. (البقرة ١٨٥)
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
شهر رمضان هو شهر القرآن. وقد فضله الله تعالى على سائر الشهور، ومن أجمل ما قال الأستاذ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي في شأن القرآن الكريم: “نزل جبريل عليه السلام بالقرآن؛ فأصبح جبريل أفضل الملائكة، ونزل القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فصار نبينا محمد عليه الصلاة والسلام سيد الخلق أجمعين. وجاء القرآن إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأصبحت أمة محمد عليه الصلاة والسلام خير أمة أخرجت للناس، ونزل القرآن في شهر رمضان؛ فأصبح شهر رمضان خير الشهور، ونزل القرآن في ليلة القدر؛ فأصبحت ليلة القدر خير الليالي، فماذا لو نزل القرآن في قلوبنا نحن المؤمنين؟؟” إذن لأصبحت قلوبنا أفضل قلوب بني البشر!!
وفي المقابل تعالوا بنا كي نرى كيف تكون القلوب حين تخلو من القرآن؟ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ”. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن، أي ليس في قلبه شيء من القرآن، وهذا في علم البلاغة العربية من باب إطلاق اسم المحلِّ عَلَى الحَالِّ فيه، واحتيج لذكره ليتم التشبيه له بالبيت الخرب، أي أن جوف الإنسان إذا كان خاليا من القرآن فهو كالبيت الخَرِب، وذلك بجامع أن القرآن إذا كان في الجوف بأنْ حفظه أو بعضه يكون عامرًا مزينًا بحسب قلة ما فيه وكثرته، وإذا خلا عنه الجوف بأن لم يحفظ منه شيئًا يكون خربًا، كالبيت الخالي عن الأمتعة التي بها زينته وبهجته. رواه الترمذي، والدارمي أيضاً. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفيه تأكيد طلب حفظ القرآن والدأب فيه. اللهم اجعل قلوبنا وقلوبكم وقلوب إخواننا المؤمنين والمؤمنات عامر بالقرآن وذكر الرحمن.
أجل إخوة الإيمان، إن شهر رمضان هو الشهر الذي ابتدأ الله فيه إنزال القرآن في ليلة القدر؛ هداية للناس إلى الحق، فيه أوضح الدلائل على هدى الله، وعلى الفارق بين الحق والباطل. فمن حضر منكم الشهر وكان صحيحًا مقيمًا فليصم نهاره. ويُرخَّص للمريض والمسافر في الفطر، ثم يقضيان عدد تلك الأيام. يريد الله تعالى بكم اليسر والسهولة في شرائعه، ولا يريد بكم العسر والمشقة، ولتكملوا عدة الصيام شهرًا، ولتختموا الصيام بتكبير الله في عيد الفطر، ولتعظموه على هدايته لكم، ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق والتيسير.
معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا، شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك، فيأتمرون بأمرك، وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقدرونك حق قدرك، ترضى عنهم، ويرضون عنك، واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام، والدعاء والسجود والقيام، ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.