إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي تنظيم الإنتاج والتوزيع لا يتأتى بإثارة القلق ولا من تطور المجتمع (ح 31)
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
تنظيم الإنتاج والتوزيع لا يتأتى بإثارة القلق ولا من تطور المجتمع (ح 31)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ وَالثَّلاثِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَةِ صَفحَة 50) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ مَوضُوعٍ بِعُنوَانٍ: “تَنظِيمُ الإنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ لا يَتَأتَّى بِإِثَارَةِ القَلَقِ, وَلا مِنْ تَطَوُّرِ المُجتَمَعِ”.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: وَأمَّا تَنظِيمُ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ بِوَاسِطَةِ المَجمُوعِ، فَإِنَّهُ لا يَتَأتَّى بِإِثَارَةِ القَلَقِ وَالاضْطِّرَابِ بَينَ النَّاسِ، وَإِثَارَةِ الحِقْدِ وَالبَغضَاءِ فِيهِمْ بَعضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَعنِي إِيجَادَ الفَوضَى، وَلَيسَ إِيجَادَ التَّنظِيمِ. وَلا يَأتِي طَبِيعِيًّا فِي تَركِ العُمَّالِ يُحِسُّونَ بِظُلْمِ أصحَابِ الأعمَالِ، لأنَّهُ قَدْ يَكُونُ أصحَابُ الأعْمَالِ مِنَ المَهَارَةِ بِحَيثُ يُشبِعُونَ جَمِيعَ حَاجَاتِ العُمَّالِ -كَمَا هِيَ الحَالُ فِي عُمَّالِ المَصَانِعِ فِي الوَلايَاتِ المُتَّحِدَةِ- فَلا يُحِسُّونَ بِالظُّلْمِ الوَاقِعِ عَلَيهِمْ فِي هَضْمِ ثَمَرَاتِ جُهُودِهِمْ, وَلا يَتَأتَّى حِينَئِذٍ التَّطَوُّرُ الَّذِي يُنَظِّمُ الإِنتَاجَ وَالاستِهلاكَ. وَلِذَلِكَ لا بُدَّ مِنْ أنْ يَأتِيَ هَذَا التَّنظِيمُ بِأحْكَامٍ وَمُعَالَجَاتٍ صَحِيحَةٍ، قَطعِيَّةِ الأَسَاسِ، مُنطَبِقَةٍ عَلَى وَاقِعِ المَشَاكِلِ. وَالاشتِرَاكِيَّةُ تَعتَمِدُ فِي تَنظِيمِ الإنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ إِمَّا عَلَى إِثَارَةِ القَلَقِ وَالاضْطِرَابَاتِ بَينَ العُمَّالِ، وَإِمَّا عَلَى سُنَّةِ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ، وَإِمَّا عَلَى تَشرِيعَاتٍ وَقَوَانِينَ وَضْعِيَّةٍ غَيرِ مُستَنِدَةٍ إِلَى أسَاسٍ قَطعِيٍّ وَلِذَلِكَ كَانَ تَنظِيمُهَا هَذَا خَاطِئاً مِنْ أسَاسِهِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
- لا بُدَّ مِنْ أنْ يَأتِيَ تَنظِيمُ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ بِأحْكَامٍ وَمُعَالَجَاتٍ وَفْقَ الشُّرُوطِ الثَّلاثَةِ الآتِيَةِ:
أ- أنْ تَكُونَ صَحِيحَةٍ.
ب- أنْ تَكُونَ قَطعِيَّةِ الأَسَاسِ.
ت- أنْ تَكُونَ مُنطَبِقَةٍ عَلَى وَاقِعِ المَشَاكِلِ.
- تَنظِيمُ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ لا يَتَأتَّى بِإِثَارَةِ القَلَقِ وَالاضْطِّرَابِ وَالحِقْدِ وَالبَغضَاءِ بَينَ النَّاسِ.
- تَنظِيمُ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ بِإِثَارَةِ القَلَقِ وَالاضْطِّرَابِ يَعنِي إِيجَادَ الفَوضَى، وَلَيسَ إِيجَادَ التَّنظِيمِ.
- تَنظِيمُ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ لا يَأتِي طَبِيعِيًّا فِي تَركِ العُمَّالِ يُحِسُّونَ بِظُلْمِ أصحَابِ الأعمَالِ.
- قَدْ يَكُونُ أصحَابُ الأعْمَالِ مِنَ المَهَارَةِ بِحَيثُ يُشبِعُونَ جَمِيعَ حَاجَاتِ العُمَّالِ, فَلا يُحِسُّونَ بِالظُّلْمِ الوَاقِعِ عَلَيهِمْ فِي هَضْمِ ثَمَرَاتِ جُهُودِهِمْ.
- مِنَ الأمثِلَةِ عَلَى مَهَارَةِ أصْحَابِ الأعَمَالِ فِي جَعْلِ العُمَّالِ لا يُحِسُّونَ بِالظُّلْمِ الوَاقِعِ عَلَيهِمْ كَمَا هِيَ الحَالُ فِي عُمَّالِ المَصَانِعِ فِي الوَلايَاتِ المُتَّحِدَةِ.
- حين لا يُحِسُّ العُمَّالُ بِالظُّلْمِ الوَاقِعِ عَلَيهِمْ فِي هَضْمِ ثَمَرَاتِ جُهُودِهِمْ لا يَتَأتَّى التَّطَوُّرُ الَّذِي يُنَظِّمُ الإِنتَاجَ وَالاستِهلاكَ.
- تَعتَمِدُ الاشتِرَاكِيَّةُ فِي تَنظِيمِ الإنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ عَلَى إِحدَى الطُّرُقِ الآتِيَةِ:
أ- إِمَّا عَلَى إِثَارَةِ القَلَقِ وَالاضْطِرَابَاتِ بَينَ العُمَّالِ.
ب- وَإِمَّا عَلَى سُنَّةِ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ.
ت- وَإِمَّا عَلَى تَشرِيعَاتٍ وَقَوَانِينَ وَضْعِيَّةٍ غَيرِ مُستَنِدَةٍ إِلَى أسَاسٍ قَطعِيٍّ.
- لِذَلِكَ كَانَ تَنظِيمُ الاشتِرَاكِيَّةِ لِلانتَاجِ وَالتَّوزِيعِ خَاطِئاً مِنْ أسَاسِهِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.