Take a fresh look at your lifestyle.

إعجاز القرآن الحجة والدليل فيما وصل إلينا من رسالات قبل بعثة الرسول عليه السلام – ح3

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) 88- الإسراء

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث هداية ورحمة للناس أجمعين وبعد؛

(الحجة والدليل فيما وصل إلينا من رسالات

 قبل بعثة الرسول عليه السلام):-    حلقة- 3

ذكرنا في الحلقة السابقة ما يتعلق بالدليـل بشكل عام،  بنوعيه النقلي والعقلي،  أما بالنسبة لموضوع الحجة والدليل فيما وصل إلينا من رسالات الأنبياء قبل الرسول صلى الله عليه وسلم كاليهودية والنصرانية، فإن السؤال الذي يرد في هذا المقام هو : هل قام الدليل القاطع على ثبوتِ ما نقل إلينا من تعاليم هذه الرسالات ؟..

وللإجابة عن هذا السؤال نقول وبالله التوفيق:

 إن ثبوت وجود رسالات قبل رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد  ثبت بالدليل القاطع عن طريق الآيات القرآنية التي أخبرت عن تلك الرسالات؛  مثل رسالة موسى عليه السلام ورسالة عيسى عليه السلام وما سبقهم من أنبياء قبلهم،  قال تعالى : { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (البقرة /136) .

وثبت ذلك أيضاً عن طريق النقل جيلاً بعد جيل بالنسبة لرسالة موسى وعيسى عليهما السلام،  حيث قام الدليل بالنقل أن هناك رسالات سبقت الرسول عليه السلام،  ولم يختلف أحد من الأجيال التي سبقت الرسول -حتى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم – على ذلك،  حتى وصل الأمر إلى بقايا أتباع تلك الرسالات من يهود ونصارى ممن عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم .

أما حقيقة تلك الرسـالات وتعاليمها وتفصيلاتها، فقد نقل إلينا الكثير من الأخبار في ذلك، ووصلت إلينا روايات تاريخية كثيرة تحدثت عن تلك الحقب، ولكنها لم تصل إلى درجة القطع، فلم تصلح دليلا يستدل به على صدق تلك التعاليم،  أو ما جاء في تلك الرسالات عند نزولها،  وحتى الآثار التي وصلت تبقى إشارات يستأنس بها، ولا تصلح دليلاً قاطعاً على صدق تلك الرسالات،  لأن الآثار – كما ذكرنا في موضوع الدليل – لا تصلح دليلاً قائماً بذاتها وإنما تبقى في دائرة الخبر الذي يحكي حقبة من الزمن ، وتحتاج إلى ما يعاضدها من قرائن أخرى.

والذي نستطيع قوله فقط في هذا المضمار، ونقطع بصحته هو وجود رسالات سبقت رسالة الرسول علية السلام وخاصة اليهودية والنصرانية،  وبعض التعاليم والأخبار التي وردت في كتاب الله عز وجل وتحدثت عن تلك الرسالات،  لأن القرآن ثبت نقله إلينا بطريقة التواتر، وثبت نسبته إلى الله تعالى بطريقة العقل وبشكل قاطع عن طريق الإعجاز الذي سنأتي على تفاصيله في حلقات قادمة.

هذا بالنسبة إلى موضوع انتقال أو وصول تلك الرسالات إلينا،  أما ما جاءت به من معجزات كمعجزة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى،  ومعجزة موسى عليه السلام في العصا؛ فإن المعجزة هي من الدليل العقلي وليست من الأدلة النقلية،  ويشترط أن تكون محسوسة حتى يقوم بها الاستدلال، أي يشترط أن تكون ماثلة اليوم أمامنا،  وهذا غير موجود،  وليس له واقع في المشاهد المحسوس؛فتلك المعجزات قد حصلت في زمن الأنبياء ، وانتهت في ذلك الزمن، وقد نقل القرآن الكريم بطريق الخبر اليقيني أنها حصلت. .

فلا تعتبر تلك المعجزات معجزة لنا، وإنما تبقى في دائرة الخبر القطعي بأنها حصلت في تلك العصور وأقامت الحجة على عقول من حضرها من اليهود والنصارى، وذلك لأنها وردت في القرآن الكريم القطعي الثبوت المعجز .

فمعجزات الأنبياء السابقين نؤمن بأنها وقعت وكانت معجزة،  وأقامت الدليل على العقول في زمانها،  وانقضت بعد ذلك ولم يبق منها من ذلك الإعجاز شيء،  وإنما بقي أشياء من رسالات الأنبياء نُقلت إلينا بطريق الخبر الظني دون رواية صحيحة؛ أي دون اعتماد طريقة النقل بالرواية جيلاً عن جيل، كبعض التعاليم من خلال التوراة والإنجيل المحرّفة، ولم يثبت من تلك الرسالات إلا ما نقله القرآن الكريم، لأن القرآن معجز وثابت بطريق القطع روايةً.

 والجانب الآخر في ذلك  أن تلك الرسالات والمعجزات كانت لأناس معينين ولم نُخاطب بها،  لا من حيث التعاليم الدينية، ولا من حيث المعجزات التي قامت دليلاً على صحتها وصدق ارتباطها بالخالق تعالى .

يقول العلامة (رحمة الله الهندي) رحمه الله في كتابه الشهير ( إظهار الحق) :- ( ..  لو تفحصنا في كتب الإسناد في العهد القديم والجديد ؛ فما رأينا فيها شيئاً غير الظن والتخمين ..  إنه لا سند لكون هذه التوراة المنسوب إلى موسى في تصنيفاته…) [1] ).

هذا ما يتعلق بإقامة الحجة على العقل عن طريق الدليل النقلي أو العقلي  في الرسالات السابقة،  أما ما يتعلق بطبيعة تلك الرسالات من حيث ما وصلنا منها فإنها تبقى في دائرة الخبر، لا نصدقها ولا نكذبها إلا ما ثبت لدينا قطعاً أنه مخالف للعقيدة لأن العقيدة واحدة قال عليه السلام: ( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله …  الحديث ) ([2] ) ؛ وهذا في موضوع التعاليم الدينية وما نقل منها،  وقال كذلك في موضوع وحدة العقيدة: ( إنما مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجلٍ بنا داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون لولا موضع اللبنة) ( [3] ) .

والحقيقة أن الديانة اليهودية والنصرانية- على وجه الخصوص-بالإضافة إلى كونها لم تثبت بأيّ وجه من حيث الحجة والدليل؛ أي من حيث النقل، فقد ورد فيها من التحريف والتناقض الشيء الكثير والسبب أنها لم تُنقل بطريقة الرواية القطعية،  أو حتى بطريقة الرواية الصحيحة،  أي لم تنقل بالسند إلى منتهى سلسلة الرواية كما حصل في نقل القرآن الكريم، أو مع الحديث الشريف عن الرسول عليه السلام .

فهي عبارة عن أقوال مدوّنة في كتب مختلفة لا يقوم أي دليل عقلي ولا نقلي على صدق نسبتها إلى عيسى عليه السلام أو موسى عليه السلام،  وقد دوّنت هذه الأقوال  في عصور متأخّرة أي في عهد تلاميذ المسيح عليه السلام،  مثل إنجيل متّا،  ولوقا،  ويوحنا،  ومركس .

يقول الدكتور( عبد الكريم الخطيب) في كتاب (المسيح في القرآن…) : (…  لم يحتفظ التاريخ بنسخة للإنجيل في حياة المسيح، ولا في الخمسين سنة التالية التي أعقبته …) ([4])

وللتدليل على عدم نسبة الكتب القديمة من التوراة والإنجيل إلى الأنبياء عليهم السلام؛ نذكر بعض

الأمور المختصرة، التي أوردها العالم رحمة الله الهندي في كتابه ( إظهار الحق ) مما ظهر من تناقضات هذه الكتب، وعدم ثبوت نسبتها إلى ما نسبت إليه، نقف عند هذا الحد في هذه الحلقة ونكمل موضوع التناقضات والاختلافات في الحلقة القادمة بإذنه تعالى

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 


[1]– إظهار الحق – رحمة الله الهندي ( 42)

[2] فتح الباري – ابن حجر العسقلاني ( 5/ 291)

[3]  (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح) ؛ انظر الجامع الصحيح للترمذي  ( 5/147)

[4]– المسيح في القران – عبد الكريم الخطيب ( 84)