نساء ونساء وشتان ما بين الثرى والثريا
نفى ملك الأردن عبد الله الثاني أن تكون الملكة رانيا تتدخل في شؤون الحكم، معبراً عن حزنه للاتهامات الموجهة لها والتي وصفها بـ”السخيفة” وأن الملكة تهتم فقط بالتعليم وأمور تتعلق بالمرأة والطفل .
جاء ذلك في المقابلة التي أجرتها قناة أي بي سي الأميركية مع الملك الأردني قبل يومين، والتي أعادت تسليط الضوء على الانتقادات التي وجهتها قوى عشائرية ومتقاعدون عسكريون للملكة واتهامها بالقيام بأدوار تنفيذية والتدخل بعمل الحكومة. وتعيين وزراء ، والشراكة في صفقات مالية من خلال عائلتها والتي سارعت الملكة في نفيها في وقت سابق وقالت إنها ستقاضي مروجيها .
ما يهمنا في هذا الخبر ليس هذا الكذب والافتراء على لسان عبد الله الثاني فقد تعودناه منه ومن غيره من حكام الضرار ، ولكن كلامه هذا ينقلنا إلى الحديث عن دور زوجات الحكام في نهب وسلب خيرات هذه الأمة .
فكلنا سمعنا بحجم النفوذ والأموال الذي كان لليلى الطرابلسي في تونس في أيام الطاغية بن علي وكذلك سوزان مبارك وأولادها ،، وكذلك عن البذخ التي تعيشه الملكة رانيا والتي أنفقت مئات ألوف الدولارات في حفل عيد ميلادها الماضي في بلد يعيش معظم أفراده تحت خط الفقر. وكذلك ظهر اسم عائشة بنت القذافي المدللة وصاحبة الكلمة عند والدها والتي تعودت على السفر والفنادق والإنفاق ببذخ شديد يضاهيه إنفاق أميرات الخليج وشيخاته. وكأن كل واحدة منهن تغرف في أموال خاصة بها وليس من مال الأمة وخيراتها . وكأن تلك الخيرات ملك شخصي لهن يوزعنه كما يشأن ويتصرفن فيه كما يرغبن.
نسمع هذا ونعود بذاكرتنا إلى الوراء، إلى أيام نشتاق لمثلها، ونعمل لعودتها بإذن الله تعالى. وهذا ليس مقارنة فشتان ما بين الثرى والثريا. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، نتذكر دعم السيدة خديجة رضي الله عنها لزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتالي الدولة الإسلامية القادمة بمالها بكل نفس كريمة راضية . وكذلك زينب بنت خزيمة التي لقبت بأم المساكين لبرها وكثرة صدقاتها . وزينب بنت جحش التي كانت من أعظم أمهات المؤمنين صدقة وحباً للإنفاق في وجوه الخير . وزبيدة زوجة هارون الرشيد صاحبة عين زبيدة التي حفرتها على نفقتها الخاصة للحجاج . وأم البنين فاطمة التي أعادت بناء جامع القرويين في فاس والذي أصبح فيما بعد جامعة القيروان الشهيرة. وغيرهن العديد العديد من النساء في كل العصور الإسلامية المختلفة ممن أنفقن من أموالهن الخاصة في وجوه الخير التي تعود بالفائدة على الدولة والأمة الإسلامية كلها .واللواتي لو أردنا فقط ذكر أسمائهن لاحتجنا الكثير من الوقت .
فأين أولئك العظيمات الأوائل من هؤلاء التافهات!! أين من تربين في الدوحة المحمدية ومدرسة القرآن الكريم ، وبين من تربين في ظل الأنظمة الرأسمالية العلمانية البغيضة !! أين من عشن وعملن لآخرتهن ولنيل رضا الله سبحانه وتعالى بكل ما أوتين من وسائل وسبل ولو ضحين في سبيل هذا بكل غالٍ ونفيس ، وبين من عشن ويعملن للحياة الدنيا الزائلة الفانية ولنيل أكبر قدر من متع الدنيا وملذاتها ولو ضحين في سبيل هذا بالدين والعقيدة ومرضاة الله تعالى !!
ولو سألنا أنفسنا لم يحصل هذا ؟؟ فهؤلاء نساء وأولئك نساء أيضا ،، لديهن كل الحاجات العضوية والغرائز التي خلقها الله فيهن جميعاً .. ماذا جعل أولئك كالثريا والنجوم الساطعة في السماء ، وجعل هؤلاء كالثرى والطين الملوث في الأرض ؟!
وحتى لا نقول الكثير من الكلام والنظريات والفرضيات، وحتى لا نتوه بين كل هذا ، فالجواب واضح ويسير .السر هو في المرجعية لكل من هاتين الطائفتين من النساء ، في الأساس الذي استند عليه كل طرف .السر في فهم معنى استخلاف الله الإنسان في الأرض , معنى غاية الوجود في هذه الحياة ، في المبدأ الذي يتخذه كل طرف ويسير عليه .
نعم .. فتلك النساء العظيمات وغيرهن اعتنقن العقيدة الإسلامية منهجاً وحياة ومفاهيم وسلوكا , أتخذنها مبدأً يسيِّر حياتهن كلها .. فكان الحَسن ما استحسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع ، كان الخير فيما يرضى عنه الله تعالى ،والشر فيما يغضبه سبحانه .كان ميزانُ أعمالهن الحلالَ والحرام. هانت في أعينهن كلُّ ملذات الدنيا وصغرت كلُّ مفاتنها، فسارت حياتهن هانئة سعيدة لأنهن يعلمن أن هذه الدنيا دارُ فناء والآخرةَ دارُ بقاء فعملن في الفانية للوصول إلى الباقية ومعهن خير الزاد .
أما هؤلاء النساء اللواتي اشترينا الدنيا بالآخرة فقد خسرن البيع حقاً وحقيقة ،، فقد هانت عليهن أنفسهن وبعن الباقية واشترين الفانية .اعتنقن الرأسمالية العلمانية وطبقن مبادءها . كانت المنفعة تحكم أفعالهن ،، والتمتع بملذات الدنيا الزائلة هي هدفهن ،، من أين تأتي الأموال فهذا غير مهم ،، ما يفعلنه يرضي الله أو يغضبه ليس في دائرة تفكيرهن ، فهن نساء الحكام الذين يمسكون برقاب الشعوب ،، هن زوجات الرؤساء الذين يتحكمون في أموال هذه الأمة وبالتالي هي أموالهن يغرفن منها في أي وقت وبأي مقدار .
ولكن دوام الحال من المحال ، ودولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى يوم القيامة ،، فها قد انكسر حاجز الخوف بين الأمة والحكام ، وكما كانت زوجة بن علي وزوجة مبارك من أسباب الحراك في هذين البلدين ،فستصحو الأمة أكثر وأكثر، وستنهض من كبوتها لتبصر الطريق جلياً واضحا للتغيير الحقيقي الذي يوصل إلى شاطئ الأمان ، وستعرف هؤلاء النساء ممن ظننن أن خيرات الأمة هي لهن ولعائلاتهن أنهن ضللن الطريق وأن هذا ليس هو الحال وليست هذه هي الحقيقة . وسيأتي يوم الخلاص للأمة كلها قريبا ،، وقريباً جداً بإذن الله تعالى بقيام دولة الخلافة التي ستعيد الحق إلى نصابه والخير إلى أصحابه ( إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) .