في ذكرى فتح القسطنطينية
الحمد لله المعزِّ المذلِّ، مؤتِ الملكَ من يشاء،ونازعِه ممن يشاء،والصلاة والسلام على رسولِه الأكرمِ إذ سُئِل قبلَ أكثر من 1400عامٍ والصحابةُ عنده جلوسٌ : يا رسول الله:أيُّ المدينتين تُفتحُ أولا القسطنطينية أو روميّة ، فقال صلى الله عليه وسلم:لا بل مدينة هرقل تفتح أولا ( يعنى القسطنطينية وهي اسطنبول اليوم ) .
فالصحابة رضي الله عنهم لم يكن عندهم شكٌّ في فتح روما أو اسطنبول، فكيف يشكّون ببشرى الرسول صلى الله عليه وسلّم،ولكنّ سؤالهم كان عن أيِّهما تُفتح أوّلا. ثم إنهم لم يقفوا عند السؤال،بل أتبعوا سؤالَهم عملا دؤوباً، فقد غزا الصحابة والمسلمون من بعدهم مدينة هرقل-وهي معقلُ الكنيسة الشرقية الارثودكسية حينها وأحصنُ وأعظمُ مدن الأرض قاطبة وقتها) غزوها نحو 29 مرةً ،فلم نسمع أحدَهم يقول: هي بشرى الرسولِ صلى الله عليه وسلم وهي لابد متحققة فلا داعي للعمل، بل شمّروا عن سواعدِهم وأعدّوا العدةَ وغزَوُا الروم َفي عقر دارهم مراتٍ عديدة ،فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله،ولم تلن لهم قناةٌ فاستمروا بعزمٍ قرونا متسلّحين ببشرى المصطفى صلى الله عليه وسلم بفتحها،كلٌّ يطمحُ أن يكون في ذلك الجيشِ المظفّر الذي يذلُّ اللهُ به الصليبَ وأهلَه ويعزُّ به الاسلام وأهلَه،كيف لا والحبيبُ صلى الله عليه وسلم يقول: ( لتفتحنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرُها ولنعم الجيشُ جيشها ).
ثم صدق اللهُ ورسولُه المؤمنين البشرى بالحق، ففي مثل هذه الأيام وبالتحديد في 29-5-1453م أي قبل نحو 560 عاما،دخلت صفوةُ جيوشِ الأرضِ في ذلك الوقت مدينةَ القسطنطينية بقيادة السلطان البطل محمد بن مراد(المعروف بعدها بالفاتح)،دخلت المدينةَ بعد أن حاصرتها 53 يوما، دكّت أسوارها خلالها دكّا،وحفرت الأنفاق من تحت أرضها،وحاصرت سفن المسلمين مضائقها وخلجانها بعد تسيير السفن على اليابسة في جُنحِ الظلام، فلم تُبْقِ لأهل الصليب أرضا ولا سماءً ولا ماءً.ثم حانت تلك اللحظةُ التي انتظرها وعمل لها المسلمون لقرون، وأذِن الله بالفتح وتعلّقت أبصار المجاهدين بأبواب الجنة التي فُتحت لاستقبال الشهداء، فافترست أسود المسلمين فلول البيزنطيين ودخل البطل الفاتح المدينةَ في يوم عظيم من أيام الاسلام، فأعزّ الله دينَه في ذلك اليوم أيّما إعزاز، فسقوط هذه المدينة – وما كانت تمثله للنصارى في ذلك الوقت – هو كسقوط واشنطن أو لندن أو روما قريبا بأيدينا بإذن الله.
لقد بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية وصدَقَنا بُشراه ، وبشرنا أيضا بفتح روما وهوصادقٌ في بشراه لا محالة،وأخبرَنا بعودة الخلافة وهو صادقٌ في الإخبار، وأعلمَنا أن ملكَ المسلمين سيبلغُ ما بلغ َ الليلُ والنهار، وهذا واللهِ حقٌّ لا يشكُّ فيه مسلمٌ، فلماذا لا نكونُ مثلَ الأوّلين الذين لم يتوانَوا عبر قرونٍ من العمل لفتح القسطنطينية ولم يكتفوا بالركون إلى البشرى فقط؟ فها هو المبشّرُ بفتح القسطنطينية نفسُه يبشّرنا بعودة الخلافة على منهاج النبوة فقال في الحديث المعروف(…ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) بل ويُغَلِّظُ في حق من مات وليس في عنقه بيعة فيقول صلى الله عليه وسلم (…ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية)،فهلا سمعنا قولَه صلى الله عليه وسلم ونفّذنا أمره فنكونَ من خير أجناد الأرضِ الذين ينالون شرفَ إقامةِ الخلافةِ الراشدةِ الثانيةِ كما كان كان السلطان الفاتحُ رحمه الله وجندُه حين فتحوا القسطنطينية .
أبو عبد الله المقدسي