Take a fresh look at your lifestyle.

زيادة في المديونية أم تنمية وتغيير

 

بلغ مجموع القروض متوسطة وطويلة الأمد، التّي تحصّلت عليها تونس، من سنة 1986 إلى 2006 ما قيمته 32.4 مليار دينار. كما بلغ مجموع المبالغ الماليّة التّي سدّدتها، خلال نفس الفترة، بعنوان خدمة الدّين، قيمة 36.2 مليار دينار.وبالتّالي، يُبرز ميزان المحاصيل الصّافية لرؤوس الأموال بعنوان القروض متوسطة وطويلة الأمد حاصلا سلبيّا بقيمة 3.8 مليار دينار، أي ما يضاهي تقريبا قيمة إجمالي الدّين سنة 1986 أو أكثر من قيمته سنة 1984.

وبالتالي فلقد سدّدت تونس بعنوان الاقتراض الخارجي أكثر ممّا تلقّت. وهو مايعني أنها مصدّرة لرؤوس أموال الاقتراض و أنّها هي التّي تموّل المؤسّسات والأسواق الماليّة الدّوليّة وليس العكس. ومن خلال ذلك يتّضح لنا أنّ القُروض العُموميّة لا تخدم لا التّنمية ولا الاقتصاد، كما لا تفيد في شيء في خلق مواطن الشغل، ولا تساهم في تحسين مستوى عيش التّونسيّين .

ورغم كل ما ذكر آنفا تتبجّح الحكومة التونسية المؤقتة اليوم بإضافة كمّ هائل من القروض فوق القروض التي تركها الرئيس المخلوع . إذ صرح وزير المالية جلول عياد” أنّ تونس تحتاج قروض خارجية بقيمة 4 مليارات دولار لمساعدتها على التعافي من تداعيات الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق” وقال بنك الاستثمار الأوروبي ذراع التمويل للاتحاد الأوروبي إنه سيرفع قروضه لتونس هذا العام بمقدار 600 مليون يورو و منح الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي شركة تونس للطرقات السيارة قرضا بقيمة 190 م د ت وسيتم تسديد هذا القرض على امتداد 22 سنة منها 5 سنوات امهال وبنسبة فائدة قارة تبلغ 3 بالمائة سنويا.

كما أعلن فرانكو فراتيني وزير الخارجية الايطالي أن بلاده ستمد ‘خط قروض’ بـ 150 مليون يورو ‘لإنعاش الاقتصاد التونسي’ وستوّفر لخفر السواحل التونسيين ‘تجهيزات ومعدّات’ (عسكرية) بقيمة 80 مليون يورو.

وقال برنار فاليرو المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية أن رينكور قد تحدث عن التزامات فرنسا تجاه تونس بتقديم 350 مليون يورو كقروض ثنائية لتمويل عدد من المشاريع .

واخيرا وليس آخرا ينتظر أن توافق قمة مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبرى خلال الخميس والجمعة المقبلين على خطة دعم اقتصادي بقيمة 6 مليارات دولار لتونس ومصر.

إن شعار الجهات المقرضة الرأسمالية غاية في الوضوح فلا توجد وجبة مجانية ولذلك تخضع شروط منحها للقروض لعاملين:
1) مصالحها وضماناتها وأرباحها اقتصادياً.
2) مصالحها السياسية.

 

وسواء أكانت الجهات المقرضة دولاً أم مؤسسات دولية أم بنوكاً تجارية, فإنها هي التي تضع الشروط, ومن الشروط تبدو ملامح القروض واضحة في أنها عبء بحت عوضاً عن أن تكون منافع, وتمتد شروط المقرِضين لتشمل التالي:

1) سعر الفائدة، وآجال السداد، وفترات السماح.

2) وقد تمتد لتشمل ربط القروض باستيراد منتجات معينة من الدول الدائنة أو نقل هذه الواردات على سفنها حتى.

3) قصر تنفيذ المشروعات التي تمولها القروض على شركات الدولة المقرضة, أو الاقتراض من خلال شراء الآلات والمعدات، والتعاقد مع الخبراء الأجانب، وشراء براءات الاختراع وحقوق الصنع، واشتهر بخصوص ذلك قول 

(Trade follow aid) أي أن التجارة تتبع المساعدات.

4) وفي حالة البنك وصندوق النقد الدوليين، يشترط البنك الدولي مثلاً أن تكون القروض لتمويل مشاريع معينة مثل مشاريع التعمير (غير إنتاجية) وأن تكون لحكومات أو لجهات تابعة لها. كما يشترط أن لا يكون للدولة مصدر آخر للتمويل (مؤشر لعبء السداد لاحقاً), أما صندوق النقد فيشترط استشارته في برامج الإصلاح الاقتصادي, في حين أنه يفرض قراراته فرضاً عند الجدولة.

5) تبني سياسات معينة من الانفتاح والديمقراطية. أو قل بتعبير أدق سياسات الدول الكبرى التي تخترق سيادة الدول المدينة. وقد جسد الرئيس الأميركي بوش هذه الشروط في خطابه أمام مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية، الذي عقد في المكسيك في الفترة من 18-22 مارس/آذار 2002م حيث أكد أن “تدفق رؤوس الأموال إلى الدول النامية والفقيرة سيتوقف على احترام هذه الدول لحقوق الإنسان، واتخاذها إجراءات فعالة لاقتلاع جذور الإرهاب والفساد، فضلاً عن فتح أسواقها، والاعتناء بنظام التعليم والرعاية الصحية، وإن الولايات المتحدة ستتعامل بشكل صارم مع ذلك”.

 

وبالتالي فشروط القروض وواقعها يؤكدان انها احداث لموطأ قدم في البلد المديون حتى يسهل التدخل في شؤونه بل حتى يكون الطريق ممهدا لاستعماره فما احتلت فرنسا في الماضي تونس الا عن طريق الديون. اذ بعد توجه الباي للاستدانة من اوروبا وفي اقل من سبع سنوات بلغ الدين مائة وخمسين مليون فرنك فاتخذت الدول الاوروبية ذلك حجة للتدخل واقترحت فرنسا تشكيل لجنة مالية ووافقتها انجلترا وايطاليا وصدر مرسوم من الباي سنة 1870 بتشكيلها من فرنسيين وانجليز وايطاليين يرأسها موظف تونسي وجعلت مهمتها توحيد الدين وتحديد الفوائد وإدارة المرافق التي خصصت لهذا الدين وعبر هذا الطريق وصل الفرنسيون لاستعمار تونس لان سرطان الديون كان قد استفحل عن طريق جدولتها لان عدم القدرة على السداد هي نتيجة طبيعية تلي أزمة المديونية.

 

وهنا نذكر برأي الاسلام في قروض الدولة لعل ّ الذكرى تنفع المؤمنين فلقد حرّم الله عزّ وجلّ الاقتراض إلا في الأمور التي لا تنتظر ويخشى الفساد أو الهلاك من تأخيرها فيقترض حينئذ لها ثم تجمع الضرائب من الناس وتسدها أو تسدها من واردات أخرى.أما الامور التي تنتظر ولا يخشى من تأخيرها فساد او هلاك او ضرر فانه لا يجوز أن تقترض لها بل تنتظر حتى يوجد مال وحينئذ تقوم بالانفاق لقضائها .فمثلا الانفاق على الفقراء والمساكين وابن السبيل ,والانفاق على الجهاد ,فانه مما يجب الانفاق له سواء وجد في بيت المال مال ام لم يوجد.وان لم يكن موجودا ,وان خيف مفسدة من تأخير الصرف اقترضت الدولة المال لصرفه في الحال, وان لم يخف مفسدة يؤخر حتى يجمع المال ثم يعطى لمستحقيها.

أما المشاريع العمرانية كالطرقات وبناء المدارس والمستشفيات وماشاكل ذلك فانها لا تقترض الدولة من اجلها إلا انه ان كان ينال الأمة ضرر من عدم وجودها ولم يكن في بيت المال فرضت ضرائب على المسلمين وقامت بالانفاق عليها واقامتها.

إن الحكومة المؤقتة للبلاد التونسية ماضية قدما في طريق الاستدانة مع أن قضية المديونيات واضحة المعالم في أنها مشكلة وليست حلاً، بل هي معبر واسع لأزمات مخيفة, حتى لو روج لها بأنها مدخـل لآفـاق التنمية لان سـنوات طــويلة من عمر المـديونية لم تحقق لتونس شيئاً من التنمية ولا هي أصبحت قادرة على سـداد ديونها, فالعجز تلاه العجز، وسداد الدين القديم أصبح يتطلب ديناً جديداً, وصارت الأرقام تعطي حقيقة الهدر المخيف لموارد الشعب وثرواته ليصحو أبناؤه تحت وطأة دين لم يكونوا طرفاً في أخـذه أو إنفاقه, وإن كان يقتطع من أقواتهم سداده ويتسبب فيما وصلت حالهم اليه وخروجهم ثائرين على النظام طلبا للكفاف والكرامة.

 

أم أنس – تونس