إصلاح الملك الجبري أم استبداله بالخلافة
إن الأمة الإسلامية تعيش في هذه الايام حالة من الغليان السياسي , لا سيما في البلدان العربية , حيث تشهد نسيجا من الثورات العابرة للقارات , من افريقيا غربا الى اسيا شرقا , وتمتاز هذه الثورات بالمطالبة باسقاط الانظمة الحاكمة , والتحرر من سطوتها وجبروتها والانعتاق مما تمثله هذه الانظمة من تخاذل وتبعية وانبطاح .
وبالنظر الى واقع هذه الانظمة الحاكمة , ومنذ ان هدمت دولة الخلافة العثمانية , فانها تشترك جميعها ببعض الاسس والقواعد , وعلى رأسها اغتصاب سلطان الامة وحكمها للشعوب جبرا بالحديد والنار , اي ان الامة الإسلامية ليست هي من اختار هؤلاء الحكام ولا الدساتير المطبقة بالبلدان الاسلامية , بل فرضت عليهم من خلال مؤامرة كبرى حاكها الغرب عبر عقود من التخطيط والتدبير والتنفيذ , الى ان وصل الى مبتغاه من الغاء نظام الخلافة الاسلامية , وتقسيم تركتها الى كيانات كرتونية وضع على رأس كل منها حاكما ودستورا يضمن بقاء الهيمنة الغربية الاستعمارية , وقام بتصدير افكاره وطراز عيشه ليفرضها على المسلمين في تلك البلدان , لتكون المحرك الحيوي للعلاقات بين الناس , ويحقق بذلك ابعادهم عن الاسلام بشموليته واتخاذهم للغرب وحضارته ملاذا فكريا وسياسيا واقتصاديا .
لقد ثارت الشعوب العربية المسلمة على هذه الانظمة , واخذت تتحسس طريق نهضتها وتمارس حقها بالمحاسبة السياسية لهؤلاء الطواغيت , وبدأت تستعيد سلطانها المسلوب املا بان تحقق اهدافا عظمى تتجلى في الانعتاق من تبعية هذه الانظمة للدول الاستعمارية .
وبما ان هذه الدول الاستعمارية هي صاحبة باع طويل في الهيمنة السياسية والفكرية والاقتصادية والعسكرية , وهي تربط مستقبلها بالمنطقة الاسلامية , لما تمثله من كنوز للثروات التى يسيل لعاب الغرب الرأسمالي لامتلاكها , ولكون المنطقة الاسلامية حاضنة لمبدأ الاسلام العظيم , الذي حكم ثلثي العالم قرابة 13 قرنا بلا منازع , لذلك فالغرب المستعمر يخشى ما يخشاه من عودة هذا المبدأ , وطراز عيشه المميز , ليتبلور في دولة كبرى , تنعتق وتتحرر من العبودية للغرب , وتتلبس فورا بالقضاء على نفوذه من بلاد المسلمين , وطرده الى ما وراء المحيطات , وتستعيد الثروات المنهوبة لتكون ملكا للامة الاسلامية , توزعها بالعدل بين الناس .
وبسبب تخوف الغرب من حدوث ذلك فانه يضع الخطط والاساليب للحفاظ على مصالحه الحيوية , والتي كان لوجود الملك الجبري اساسا وقاعدة من اسس هيمنته على بلدان المسلمين , لذلك كان الملك الجبري في حلف مقدس مع الاستعمار الغربي , وأداة من ادواته لبسط هيمنته وتثبيت سطوته وجبروته واستغلاله لثروات الشعوب .
ولهذا كان وجود الملك الجبري وبأي شكل كان , سواء ملكيا دستوريا ام جمهوريا شعبيا , ام ديموقراطيا , ام غير ذلك , هو ركن من اركان الاستعمار والهيمنة والتبعية للغرب الكافر المستعمر , مما جعل الغرب يتخذ من وجوده قضية مصيرية يدافع عنه ويضحي ببعض أزلامه وعملاءه , في سبيل استمرار الملك الجبري وبقاءه , كونه مصلحة حيوية للقوى الكبرى , وحليفا ذليلا خانعا لمصالحها .
وان من بعض الاساليب التضليلية للحفاظ على الملك الجبري وتثبيته , هو ما يعرف بالاصلاح لهذا العهد السياسي البائد , وكأنه ملكا صالحا بالاصل وظهر فساده , وترتب على ذلك المطالبة باصلاحه , وهذا الطرح يناقض الحقائق الشرعية والعقلية …
حيث ان اساس الملك الجبري هو حكم بغير ما انزل الله . ومبارزة لله سبحنه وتعالى في الحاكمية , ومخالف لنظام الحكم في الاسلام , وعقلا … فهو تقسيم وتفتيت لدولة عظمى , عرفت بالخلافة الثمانية , وتمزيق لاوصالها واستبدالها بكيانات هزيلة لاضعاف شعوبها , وربط هذه الكيانات بقيود سياسية واقتصادية وعسكرية تحقق مصالح الدول الكبرى , ونهب لثروات هذه البلدان , وامعان في فرقة ابناءها وتشتتهم من اجل هزيمتهم , وفرض طراز عيش غربي عليهم , أقل ما يوصف به , انه غريب عن هذه الشعوب المسلمة وعن ثقافتها , مما يعني عدم امكانية الوحدة والتحرر والانعتاق واستعادة الثروات , الا بالقضاء على الملك الجبري , فكان ذلك مطلبا شرعيا وعقليا .
لذلك فان جميع الدعوات المطالبة بالاصلاح للمك الجبري , سواء صدرت من جماعات او احزاب علمانية او اسلامية , فانها جميعها تصب في مصلحة الغرب الكافر المستعمر , بعلم اصحابها ام بجهلهم , وان كل قبول ببقاء هذه الانظمة الحاكمة بدساتيرها ومنظومتها السياسية والفكرية , وقوانينها القائمة , هو اطالة لعمر الملك الجبري , وتثبيتا له …
فالملك الجبري لا يقتصر على شخص مبارك او بن علي او القذافي او بشار او علي صالح او غيرهم من رموز طاغوتية , بل هو ما يمثله هؤلاء من انظمة شاملة متحالفة مع الغرب الكافر المستعمر , وتبعيتهم ونهبهم لثروات المسلمين وتصديرها الى الدول الكبرى لقمة سائغة لينعموا بخيرات المسلمين .
ولن ينتهي الملك الجبري برحيل رئيس او خلع امير او اعدام ملك , وكذلك لن يختفي بتنصيب مرشح عن جماعة اسلامية او فوز بمقاعد برلمانية , او مشاركة سياسية هنا او هناك فكل ذلك , لا يتعدى كونه اطالة في عمر الملك الجبري وتجميل له في عيون المسلمين , وتحقيقا لاهداف الغرب ومصالحه الحيوية .
لهذا كان الحل الجذري الذي ينتقل بالامة الاسلامية من عهد الملك الجبري الى عهذ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة , لا يكون الا باقتلاع اركان الملك الجبري , من خلال الاطاحة بالانظمة الحاكمة بقوانينها ودساتيرها وافكارها والاطاحة بالعلاقات القائمة على اساس غير اسلامي , والتحرر من ربقة الهيمنة الاستعمارية بكافة اشكالها السياسية والعسكرية والفكرية والاقتصادية .
ان نجم الملك الجبري يمر في مرحلة افول متسارعة , وان السقوط لهذا العهد السياسي , اصبح قاب قوسين او ادنى , لذلك وجب على كل من تلبس بمطالبات الاصلاح للمك الجبري ان يتبرأ من هذه الدعوات , ويتوقف عن اي فعل او قول قد يفهم منه مساندة للملك الجبري , وان يعمل بالمقابل على غرس سهامه في قلب الملك الجبري وما يمثله من تبعية وانبطاح , وان يمد يده للعمل على استعادة سلطان الامة وتحقيق انعتاقها من ربقة الاستعمار عبر المساهمة الفعالة لمرحلة ما بعد الملك الجبري , والتي بشر بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت)
فالمنهج النبوي في الحكم الراشد , لن يتحقق الا بايدي المخلصين من ابناء الامة الاسلامية , الرافضين للملك الجبري , والعاملين على اسقاطه والقضاء عليه , الذين لا يقبلون بمزج الغث بالسمين , ولا الزبد بما ينفع الناس …
وختاما نسال الله العلي القدير ان يعجل بنصره واعزاز دينه واستخلاف عباده المؤمنين …
( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )
كتبه لاذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
الأستاذ أبو باسل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.