خبر وتعليق فلسطين -“الكرازايية” تفرض على الفصائل مثلثها الباطل
نقلت وكالات الأنباء عن الرئيس الفلسطيني قوله أن “المفاوضات السلمية مع الجانب الإسرائيلي” هي “السياسة الوحيدة القادرة على إيصالنا إلى الدولة الفلسطينية المستقلة”، معتبرا أن ذلك يعبر عن الموقف الدائم للشعب الفلسطيني وقيادته، وفي سياق متصل قال يوم الخميس الماضي، “لا نسعى إلى تجاهل أو عزل أو نزع الشرعية عن إسرائيل”. وعن المصالحة قال “هي سبيلنا الوحيد لحل الدولتين، والمفاوضات هي من اختصاص منظمة التحرير الفلسطينية وليس الحكومة”، فيما أكّد على تشكيل حكومة تكنوقراط للمرحلة المقبلة، مضيفا أن”الأسلوب السلمي والعلاقات السلمية ستستمر في منطقة الشرق الأوسط ولن يحصل أي إزعاج، ولن يحصل أي انتهاك للأمن في منطقتنا حتى نصل إلى السلام”.
إن هذه التصريحات تكشف محددات العمل الفلسطيني حسب مفهوم “الكرازايية” التي تتجسد في عباس، والقائمة على ثلاثية -المفاوضات، وأمن يهود، وحكومة دمى يحركها كيفما شاء- وهي التي تُشكل المثلث الذي فرضته أمريكا ونصبَت له قاعدة “الفياضية” المتمثلة في “المشروع الأمني وإدارة الخدمات”. وليس ثمة من طرح رسمي على الساحة الفلسطينية خارج هذا المثلث وقاعدته، ومع ذلك تستمر الفصائل الفلسطينية -التي ادعت أنها تأسست لتحرير فلسطين- في الرقص على أضلاع هذا المثلث بوعي وبدون وعي، وترفض سماع أي صوت مخلص يزلزل تلك الأضلاع.
ولذلك فإن عباس لا يريد للأمة أن تصور عزة قادمة، ستقلب طاولة المفاوضات فوق رؤوس أصحابها، وتبطل هذه المحددات، وهو يؤكد أنه سيمنع أي إزعاج لكيان يهود، كما كان قد هدد شعبه بأنه سيمنع أي انتفاضة ثالثة بالقوة، مما يكشف أنه يسير على خطا الحكّام المستبدين -متوهما أنه حاكم- عندما يلوح بالقوة ضد شعبه، فيما يخنع ويركع أمام أعدائهم، ولا يتصور عبور طريق القوة والتحرير ضد الأعداء أبدا، تماما كبشار الأسد، الذي ظل يحرس حدود الكيان الغاصب في الجولان، فيما حرك قواته لقتل شعبه.
وعباس عمل -ويعمل- على جر الفصائل الفلسطينية نحو هذا النهج من خلال دعوى “حكومة تكنوقراط”، ومن خلال المصالحة التي تكشّفت عن مشروع سياسي ضمن نهج المفاوضات، كما بين حزب التحرير حين توقيعها.
إن فرض هذه المحددات، هو تجديف بعكس تيار “الأمر الواقع” الذي يفرضه الاحتلال اليهودي، الذي يمرّغ أنوف المفاضين بالتراب في كل مرة، ولا يحفظ لهم ماء وجه حتى في مجرد قبول تجميد الاستيطان، فأي كرامة عند من يصر على هذه المهانة والذلة!
وإن هذه المحددات التي يفرضها عباس “كموقف للشعب الفلسطيني” هي خروج صارخ على ثقافة الأمة وعلى نهجها الذي فرضه الإسلام، وخصوصا عندما يؤكد عباس أنه لن ينزع “الشرعية” عن الكيان الغاصب، وذلك تحد باطل لقول الله سبحانه “وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا”.
إن السياسة الوحيدة القادرة على إرجاع فلسطين وحدة حية في جسم الأمة لن تنفّذها أشباه الحكام، ولا جوقة الفضائيات العازفة على ألحان الشرعية الدولية، بل هي من أبسط أعمال دولة الخلافة القادمة التي تحيي الأمة ذكرى هدمها هذه الأيام، فيما تعتبر “الكرازايية” هذا الإحياء، تهديدا لأضلاع مثلثها.
الدكتور ماهر الجعبري
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين