Take a fresh look at your lifestyle.

حظر النقاب في بلجيكا إنما هو لإخفاء عيوب النِّظام الرأسمالي الفاشل “مترجم”

 

 

قامت الحكومة البلجيكية بحظر ارتداء النقاب في جميع الأماكن العامة، بما في ذلك المباني العامة كالمستشفيات والشوارع العامة. إن هذا القانون الذي يجرم لبس النقاب في هذه الأماكن ويعتبره جريمة يحاسب عليها قد دخل حيز التنفيذ منذ يوم السبت 23 تموز/يوليو. ويفرض القانون عقوبةً على مخالفته دفعَ غرامة قدرها 137،50 يورو، أو السجن لمدة تصل إلى 7 أيام.

 

بهذا القانون تنضم الحكومة البلجيكية وبلا خجل مع الحكومات التي أعلنت حرباً على اللباس الشرعي الإسلامي ومنها الحكومة الفرنسية والسورية والتركية والأوزبكية الذين فرضوا حظرا بل حربا، ليشكلوا مجتمعين حلفاً استبدادياً ضد الإسلام. لقد دعم الساسة في بلجيكا هذا القانون بحجة المحافظة على حقوق المراة، وضرورة المحافظة على النسيج الاجتماعي، حيث علَّق النائب دانيال Bacquelaine الذي اقترح  مشروع هذا القانون بأن “ارتداء البرقع لا يتوافق مع مجتمع ليبرالي  منفتح ومتسامح”.

 

لقد تمت الموافقة على هذا القانون في البرلمان البلجيكي عام 2010م عبر دعم وتصويت بالإجماع، في الوقت الذي كانت تتعرض فيه الحكومة البلجيكية إلى أزمة سياسية وخيمة، وكانت على شفا الانهيار.

 

ومع أن بلجيكا عانت ولا تزال من أزمة سياسية مستحكمة أدت إلى تعطيل تشكل حكومة لتسيير شؤون البلاد، إلا أن الأحزاب السياسية المتخاصمة وجدت، في نيسان 2010، مع ذلك متسعاً من الوقت لتعقد جلسات نقاش مديدة لتتوصل إلى الإجماع على سَنِّ هذا التشريع الذي يجرِّم النقاب، مما يجعل المرء يتساءل عن حقيقة أولويات الطبقة السياسية في بلجيكا التي ترى في النقاب الخطرَ الماحقَ على المجتمع البلجيكي. لا شك بأن اصطناع هذا الجدل بهذا الشكل المحموم مما يمهد لانتقاله إلى البلاد الأخرى في أوروبا كهولندا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا، في الوقت الذي تواجه أوروبا أزمة اقتصادية هائلة تهدد مصير عملة اليورو وبالتالي مستقبل الاتحاد الأوروبي، فهذا يدل على أن الطبقة السياسية تلجأ إلى إلهاء الرأي العام الأوروبي عن مواجهة المعضلة الحقيقية التي يواجهها عبر إثارة هذا المسألة، علما بأن النساء المسلمات اللواتي يرتدين النقاب في بلجيكا يقدَّرن ما بين 200-300، وهذا بحد ذاته يكشف سخافة الطبقة السياسية بشقيها ويكشف عن عمق الأزمة الكيانية في المجتمع البلجيكي كما في سائر المجتمعات الأوروبية.

 

في هذا السياق علَّقت الدكتورة نسرين نواز، عضوة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير، بقولها “في حين أن الحكومات الأوروبية في مواجهة مع جمهورها الغاضب بسبب الآثار المدمرة للنظام الرأسمالي الناتج عن إخفاقات مركز التجارة العالمية، فمن الواضح وبشكل صارخ أنها تستغل النقاب في مناقشاتها لتضليل شعوبها، لإخفاء النواقض السياسية والاقتصادية لعقيدتهم الرأسمالية الليبرالية والعلمانية، إنها تستخدم كذبة خطر النساء المسلمات كدروع بشرية لحمايتها من غضب شعوبهم، الذي تسببت به عقيدتهم حيث أخفقت من الناحية السياسية والاقتصادية.

 

ومن الجنون تصديق السياسيين في بلجيكا الذين يلقون باللوم في تقسيم المجتمع على قطعة القماش التي يرتديها عدد قليل من النساء داخل حدودها، في حين أنه تم تقسيم البلاد بسبب خلافات سياسية طائفية بين سكانها اللذين يتكلمون الفرنسية والهولندية. ومن الواضح أن الكيفية المنحرفة للتعامل مع موضوع اختلاف الأعراق والقوميات من جهة، فضلا عن ثقافة الأقليات، هي التي تؤثر في السياسة وهي التي تولد التعصُّب، وتقسِّم المجتمعات، بالإضافة إلى توفيرها الضوء الأخضر لإهانة المسلمين الملتزمين.

 

لقد أصبح من المألوف لدى المجتمعات الليبرالية المنفتحة استغلالها للمرأة، فتجدها وسيلة للدعاية والترفيه، أما ارتداء ملابس محتشمة فلا يجوز، فالحرية تعني الإساءة لثقافة الأقليات وسلْبٌ لحقوقهم، الحرية تعني السماح للتشريعات التمييزية والآراء العنصرية  بالانتشار. إن بلجيكا كسرت الرقم القياسي لعدم استمرار حكومة لها لأكثر من 15 شهراً، دلالةً على ضعف نظامها العلماني الديمقراطي حيث يظهر الفجوة بين الحكومة والشعب، وكما أن كُره الأوروبيين للأجانب في بلادهم في ازدياد، حيث إن التفاوت الهائل في الثروة يشكِّل لائحة اتهام في السوق الحرة، مما أدى إلى انهيار المجتمع والأسرة.

 

وحيث إن الحكومات الغربية قد عجزت عن إقناع المسلمات بتفوق الحضارة الغربية على الإسلام، فقد لجأت إلى سياسة القمع والفرض والقهر عبر سن تشريعات تُجرِّم التزام المسلمات بأحكام دينهن. إن هذا القانون الأخير لهو خير شاهد على ضحالة وإفلاس أي فكر لدى الحضارة الغربية التي لم تجد إلا سياسة “محاكم التفتيش” سيئة الذكر لفرض حضارتها التي يرفضها كل ذي صاحب عقل سليم. ولو امتلكت الحضارة الغربية الحجة العقلية والبرهان لما احتاجت إلى سياسة البلطجة القانونية لتحريم العفة والطهارة.

 

أما النظام الإسلامي “الخلافة” فيقوم على نشر فضيلة العفة والطهارة بين الناس وليس الجريمة، كما يحظر استهداف الأقليات التي تستمد حقوقها الثابتة من التشريع الإسلامي، وفي المقابل تتبنى قوانين تكفل احترام احتياجات جميع الأعراق والجماعات الدينية، حيث يضع أساساً سليماً لمُواءمة المجتمع. هذا هو النظام الصالح الذي لا يحتاج إلى استخدام الحيل السياسية للضحك على أبنائه عبر إثارة العصبية والأضغان ضد فزّاعة موهومة لا أساس لها.”

 

د. نسرين نواز

المكتب الإعلامي المركزي

لحزب التحرير