Take a fresh look at your lifestyle.

حاجة البشرية للخلافة الإسلامية

 

لا بد قبل الخوض في هذا الموضوع ، من بيان حقيقة الخلافة ، وماذا تعني . إنها النظام السياسي الإسلامي ، فهي الطريقة الشرعية لرعاية شؤون الناس في الدولة ، بالحكم والسلطان ، وذلك وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية من الوحي الإلهي ، والذي ختمت به الرسالات السماوية على قلب محمد (صلى الله عليه وسلم ) . وعن مصادر هذا الوحي الرباني وهذه الشريعة السمحة ، فهي كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وإجماع الصحابة الكرام والقياس الشرعي المبني على النص الشرعي . وبناء على هذه المقدمة ، فإن الناس في ظل دولة الخلافة ونظامها ، كلهم سواء فهم جميعا يخضعون للشريعة ، الحكام والمحكومون , المسلمون وغير المسلمين من رعايا الدولة ، فكل الناس عباد لله وتلزمهم أحكامه وشريعته وأوامره ونواهيه .

فرسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول في هذا المعنى : (( من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليقتص منه ، ومن أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه )). فعلى أساس المساواة قامت دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة على عهد النبوة ، ويؤكد الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا المعنى عندما يبين وجوب تطبيق الشرع على جميع أفراد الرعية ، بغض النظر عن مكانتهم ، فيقول : ((وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )).

ولقد أكد خلفاؤه (صلى الله عليه وسلم) هذا المعنى فهذا أبو بكر (رضي الله عنه ) بعد أن تولى الخلافة باختيار المسلمين ورضاهم وبيعتهم يقول : (( لقد وليتم عليكم ولست بخيركم )) ويقول عن وجوب استقامته في الحكم : (( إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني )).

والآن إذا نظرت إلى الدول والأنظمة التي تحكم المسلمين ، ترى كم هي حاجتهم للخلافة ، في عهد الاستبداد والفساد الذي يعيشونه منذ عقود طالت ، وها هي الثورات المباركة قد كشفت إجرام الحكام وحربهم وبطشهم بشعوبهم ، لتصبح الخلافة هي الحل وهي البديل عن هذا العهد البائد .

لطالما ظهرت مبادئ ومذاهب ، وطلع مفكرون يقولون بالحتمية التاريخية ، لأفكارهم الاشتراكية والماركسية والديمقراطية والعلمانية ، وأنها المرحلة الأخيرة في تطور البشرية ورقيها ، وأنها نهاية التاريخ ، لكنها قد بادت وذهبت رياح بعضها ومن بقي منها فإنه يترنح ويوشك على السقوط من أمراضه وعلله التي تفتك به .

إن الأزمات التي يعيشها العالم اليوم في ظل الحضارة الغربية ونظامها الرأسمالي ، قد صارت كابوسا يخيم على الجميع في كل نواحي الحياة ، وها هي أزمة اقتصادية جديدة تطل برأسها القبيح على العالم من وراء المحيطات من رأس هذا النظام العالمي وهذه الحضارة الغربية ، من أمريكا زعيمة النظام الرأسمالي وحاملة لواءه في العالم ، فهي تخير العالم بين أن يبقى يقرضها ويعطيها الأموال دون سداد وبين أن تفلس ويخسر كل الدائنين أموالهم وتسقط قيمة مدخراتهم وأرصدتهم من عملتها الدولار ، كل هذا بسبب هذا النظام البائس .

لقد صارت تظهر الحاجة لنظام جديد كلما تفجرت أزمة في النظام الرأسمالي وصار قادة هذا النظام في الغرب يدعون لنظام جديد بديل عن النظام الحالي سواء في أمريكا أو أوروبا وآخر مرة برزت هذه القضية في الأزمة الاقتصادية التي نشأت عن قضية الرهن العقاري في أمريكا وما تبعها من آثار اقتصادية واسعة شملت العالم بأسره .

إننا نعلن بكل يقين أن الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة هي نهاية التاريخ ، وهي التي سوف تخرج العالم من أزماته ومن شرور الرأسمالية ، فهي اليوم حتمية تاريخية ، سياسية وفكرية ، لحضارة أفلست وتصدع بنيانها .

إن المعركة اليوم هي على كل هذا ، على مركز القيادة للعالم وشعوبه ، والغرب يدرك هذه الحقيقة وهو يصارع رغم أمراضه على إبقاء قيادته وتأخير سقوطه وانهياره . لقد كان الصراع بين الغرب وحضارته مع النظام الاشتراكي ودوله يغطي سوءات هذه الحضارة الغربية وبعد أن سقطت الاشتراكية وتفتت معسكرها أرادت أمريكا ومعها أوروبا أن يجعلوا من الإسلام والمسلمين غرضا لهم يرمون إليه سهامهم ، فصنعوا مفهوم الإرهاب ونشروه في العالم وافتروا على الإسلام والمسلمين وتفننوا في اتهام المسلمين حتى ظنوا أنهم سيطيلوا عهدهم وقيادتهم ، لكن ظنهم هذا أرداهم ، فليس المسلمون كالاشتراكيين والشيوعيين ولا الإسلام كالاشتراكية والشيوعية . فبعد الحملات الصليبية التي شنها الغرب على المسلمين والتي أعلنها جورج بوش الصغير ، قبل المسلمون التحدي وهم لن يتوقفوا حتى يسقطوا الغرب وأذنابه الحكام .

 

فالمسلمون اليوم فإنهم اليوم يكافحون ويناضلون ، من أجل إسقاط هذا النظام الجائر ، وإقامة نظام جديد على أسس جديدة من قيم الحق والعدل ، وهي لا شك غير ما هم فيه ، وغير ما عليه العالم من الديمقراطية البالية والدول المدنية المتهالكة ، كما هو ظاهر في أمها أمريكا ، ثم أخواتها إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال وغيرها .

 

إن الأزمات والأمراض الاجتماعية والصحية والسكانية ومشاكل الفقر وغيرها الكثير ، من الحصاد الأثيم لهذه الحضارة الغربية ، التي تحكمت في العالم قرنين من الزمان ، جلبت له الحروب والدمار ، وجعلته يعيش في خوف دائم وصراع دائم ، من اجل حفنه من الأثرياء والطفيليين ، يحتكرون الثروة والسلطان ، ليعيش الملايين في معاناة وحرمان .

إن حاجة العالم اليوم إلى الخلافة ، هي حاجته لمنقذ ومخلص ، تماما كما كان الحال في أول هذه الأمة وحاجة البشرية للإسلام ، فكانت دولة الإسلام الأولى المنقذ للبشرية من ظلم الجاهلية عند العرب ، ومن طغيان الروم والفرس وكل الممالك التي كانت تسوس الناس بالإثم والعدوان .

كما صور هذا الحال وهذا المعنى رسول المسلمين إلى رستم قبل القادسية عندما سأله ما الذي جاء بكم فقال ربعي بن عامر : (( ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة )).

 

برهان (أبو عامر)