Take a fresh look at your lifestyle.

  الحديث السياسي   قمة العشرين تكرس هيمنة الغرب الاقتصادية على العالم

 

إن ما أشيع عن توسيع قاعدة الدول المؤثرة في النظام المالي العالمي، والزعم بأن الدول العشرين المشاركة في قمة واشنطن ستحل محل مجموعة الدول السبع الغنية في رسم السياسات المالية العالمية ما هو سوى ذر للرماد في العيون.

فانعقاد ما يسمى بقمة العشرين في واشنطن بتاريخ 15/11/2008م لم يتمخض عنها أي تغيير جذري لا في خريطة القوى العالمية الفاعلة، ولا في نوعية الترقيعات الرأسمالية التي تم التوافق عليها.

فمن بين الدول العشرين المشاركة في القمة برزت ثلاث قوى فاعلة فقط وهي أمريكا وأوروبا ومجموعة الدول الصاعدة التي تدعى بمجموعة بريك والمؤلفة من الصين وروسيا والبرازيل والهند. أما سائر الدول المشاركة الأخرى كالسعودية وتركيا والأرجنتين واستراليا وأندونيسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية فكانت مشاركتها شكلية ولا قيمة لها.

أما بالنسبة للقوى الرئيسية الثلاث البارزة فقد ظهر أن قوتين منها فقط تؤثران على مجريات القمة وهما أمريكا ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي بقيادة بريطانيا وفرنسا، وهاتان القوتان هما اللتان هيمنتا على القمة من حيث طرح الأفكار والحلول وإدارة النقاش، بينما بقيت القوة الثالثة وهي مجموعة بريك بعيدة كل البعد عن التأثير في أي من مداولاتها، أو نتائجها، ويعود السبب في ذلك إلى أن دول هذه المجموعة الأربع لا يربطها فيما بينها أي اتحاد، ولا يجمعها أي رابط سوى الاسم، إضافة إلى ارتباط اقتصادياتها، ونموها، وتطورها، بأمريكا وأوروبا. فهذه الدول الأربع هي دول مخترقة إقتصادياً وسياسياً، وتتبعثر مواقفها من المسائل المالية والاقنصادية بين أمريكا وأوروبا، وبالتالي فلا يُتوقع لها أي دور فاعل أو متميز في أية قمم اقتصادية مستقبلية.

هذا من حيث خريطة القوى المؤثرة في القمة، أما من حيث نوعية الأفكار والحلول الترقيعية التي طغت على القمة فكانت هي عينها التي طرحتها أمريكا وأوروبا في وسائل الإعلام قبل انعقاد القمة. فكل طرف تمترس وراء آرائه ومقترحاته المسبقة، فقد تمسكت أمريكا بما يكرره الرئيس الأمريكي بوش في كل مناسبة حول رفضه لتزايد تدخل الحكومات في أسواق المال وقوله إن القمة ستؤكد مجدداً: “قناعتنا بأن مبادئ الليبرالية الاقتصادية توفر لنا أفضل سبيل إلى ازدهار دائم”.

كما ذكّر بوش الصحفيين قبيل بدء مداولات القمة بقوله: “إن حد مخاطر أزمة كالتي نجتازها هي أن يبدأ البعض باعتماد إجراءات الحماية” ، وأعرب عن ارتياحه لتأكيد المشاركين في القمة على “مبادئ فتح الأسواق وحرية التبادل التجاري”.

وأما الدول الأوروبية ففشلت في جعل القمة تتبنى الأفكار التي توافقت عليها والتي اقترحها رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون من قبيل إيجاد آلية مراقبة دولية لأكبر ثلاثين مصرفاً في العالم، وإنشاء نظام إنذار مبكر بإشراف صندوق النقد الدولي يتولى رصد عمل كل المؤسسات المالية العالمية.

واكتفت القمة بإصدار خطة عمل تتكون من ست نقاط عامة ومبهمة وغير قابلة للتطبيق العملي. والشيء العملي الوحيد الذي انتزعته دول الاتحاد الأوروبي من أمريكا في هذه القمة هو ما ورد في البند الثاني من الخطة والذي ينص على “تحقيق الشفافية في الأسواق المالية وضمان الإفصاح الكامل عن وضعها المالي من خلال شركات تقوم بمراجعة أدائها” وفُسر هذا البند بأنه يلزم كل الدول بما فيها أميركا بالإعلان عن المؤسسات المالية لديها والتي تشكل ممارساتها المالية خطراً على الاقتصاد العالمي ووضعها في قائمة سوداء.

لقد كان هذا البند بمثابة الحل الوسط بين الأطروحات  الأمريكية والأوروبية الذي تمخض عن هذه القمة. ولقد اعتبر المسؤول في الاتحاد الأوروبي ذلك الإنجاز بأنه إرساء لـِ“خارطة طريق واضحة لإصلاح النظام المالي العالمي”.

أما الكلام الكبير الذي تحدث به ساركوزي وبراون عن التغيير قبيل القمة فكان مجرد أمنيات ورغبات أكثر منه وقائع على الأرض. ومع ذلك فإن الصراع بين الأوروبيين والأمريكيين حول النظام المالي العالمي الجديد لا زال في بداياته، وقد اعترف براون بأن تصوره للنظام العالمي القادم يعتمد على تعاون أوروبا مع أمريكا، فقال في خطابه السنوي الأسبوع الماضي في لندن: “الحجة المركزية هي أن التحالف بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبصورة عامة بين أوروبا والولايات المتحدة، يستطيع ولا بد أن يوفر الصدارة، ليس ذلك من أجل وضع القواعد لأنفسنا، ولكن لزيادة جهد عام لبناء نظام عالمي أقوى وأعدل”.

هذه هي الجولة الأولى في الصراع بين القطبين الرئيسيين في المعادلة الاقتصادية العالمية، أما الجولة الثانية فموعدها في 30 نيسان (إبريل) من العام المقبل حيث اقترح ساركوزي أن تعقد في ذلك الموعد القمة الثانية لمجموعة العشرين في لندن مع تولي بريطانيا لرئاسة المجموعة.

 

كتبه احمد الخطواني في 17/11/2008