خبر وتعليق ثورات المسلمين والمجالس الانتقالية تكرار حالات الالتفاف على المخلصين
تم الإعلان عن تشكيل مجلس وطني سوري في ظل غموض حول الجهات السياسية التي شكلته، كما ناقشت فضائية البي بي سي مساء الأربعاء 31-8-2011، ودون تنسيق مع عدد من الشخصيات التي تضمنتها قائمة المجلس المعلن، ومن ثم صرّحت بعض تلك الشخصيات بأن لا علاقة لها بالمجلس المعلن، وبأنها لم تستشر حوله. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الثورة في سوريا في طريق يعلن: “هي لله”، لا بد للمسلمين من الوعي على الغاية من تأسيس مثل هذه المجالس وعلاقتها بغايات الأمة ومصالحها الحيوية، مع الاعتبار بما سبقه من مجالس ومنظمات تشكلت في حظيرة المجتمع الدولي، لئلا يُلدغ المسلمون من الجحر الغربي مرات ومرات.
لقد سجلت الحالة الفلسطينية أسبقية تاريخية في كيفية تحويل “الثورة المسلحة” ضد الاحتلال إلى مشروع أمني يخدم الاحتلال، حيث تم الالتفاف على الثوار من خلال جمعهم تحت مظلة منظمة سياسية تسمّت بالتحرير ورفعت شعار الكفاح المسلح ثم هي اليوم تستجدي المجتمع الدولي ليصغي لها فيما تسمّيه استحقاق أيلول بعدما اختزلت مشروع التحرير المدّعى إلى مشروع خدماتي وأمني، وصار رئيس منظمة “التحرير!” يصرح في مناسبات حديثة أنه سيستجلب حلف النيتو ليكون القوة المتحكمة في دولته الموهومة.
ومن الواضح للمتابعين أن الحالة الليبية التي تم فيها تأسيس مجلس انتقالي، قد مكنت الغرب من إيجاد جهة سياسية اشترط عليها الغرب إبعاد الإسلام المبدئي عن الصراع، ومن ثم قام المجلس في أكثر من مناسبة بطمأنة الغرب بأنه لا يسعى لدولة إسلامية، وظلت المنابر الإعلامية تستضيف من يروّج للدولة المدنية بعيدا عن المطالبة بدولة إسلامية في بلد المليون حافظ لكتاب الله، وهم يتلون صباح مساء : “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ”، ومن ثم وافق المجلس على التنسيق مع حلف النيتو الذي استباح سماء الأمة، وجعلت له جامعة الدول العربية سبيلا على المؤمنين بينما ظلت جيوش المسلمين في ثكناتها، وظل حفّاظ كتاب الله في ليبيا -وفي غيرها- يتلون “وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا”!
ليس ثمة من تشكيك في إخلاص الثائرين في ليبيا، وفي نقاء فطرتهم الإسلامية، وهنالك الكثير من الشواهد التي تبدي أن الأبطال الميدانيين هم من الذين يسعون لمشروع الأمة الإسلامي، حتى أزعج ذلك الواقع الملموس ساسة الغرب، وتواترت الأسئلة في المؤتمرات الصحفية تستفسر عن إمكانية سيطرة أولئك المسلمين المخلصين على مقاليد الأمور في ليبيا، وكان أحدثها ما جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقد مساء الخميس 1-9-2011 عقب مؤتمر “أصدقاء ليبيا” الذي عقد في باريس، حيث كان القائد الإسلامي في طرابلس “عبد الحكيم بلحاج” محل قلق ومحور تساؤل موجه لرئيس المجلس الانتقالي فيه، بينما عمل أمير قطر في المؤتمر الصحفي على تبرير مشاركة حلف النيتو في ظل عدم تحرك الجيوش العربية.
والآن هنالك بوادر لتكرار المشهد في سوريا من أجل حرف الثورات عن مسارها، وقد أُعلن عن ترأس المجلس الانتقالي السوري من قبل شخصية “معارضة” صرّحت في المؤتمر الذي عقد في قطر قبل أيام بأنه يرفض المشروع الإسلامي (الديني)، أي أنه ضد مشروع الأمة الإسلامية في الوحدة وتطبيق الإسلام في الحكم.
إن الالتقاء على غاية إسقاط النظام السوري لا يعني التوافق على تنصيب نظام “بقبعة جديدة” يكون من جنسه “الديمقراطي” المنحاز للغرب ثقافة وتحالفا. وإن غايات الأمة الحيوية تتمثل في ثلاث: التحرر (من هيمنة الكافر المستعمر ومن أجرائه الحكام ومن احتلاله المباشر لكثير من البلاد المحتلة)، وتطبيق الإسلام في كافة مناحي الحياة، وتوحيد المسلمين في دولة واحدة. وهذه الغايات لا يمكن أن تلتقي مع غايات “المجتمع الدولي”، ولا مع غايات حلف النيتو الذي أذاق المسلمين طعم الموت في أفغانستان. ولذلك فإن “اللعب” في ساحة حلف النيتو هي رقص على جراح الأمة، وتمكين للمستعمر من رقاب المسلمين.
ومن الواجب على المخلصين أن يتعظوا بالحالات السابقة، وأن لا يسمحوا بتشكيل (مجالس سياسية تحرف ثوراتهم عن غايات الأمة)، وعليهم أن يوجّهوا أنظارهم نحو المخلصين في جيوشهم، وأن يطبقوا شعارهم الراقي “الشعب والجيش يد واحدة”، عندها يمكن للمخلصين في الجيوش أن يتعاضدوا لتشكيل “مجالس عسكرية” تنقض على بشار وعصاباته في ساعة من ليل أو نهار، تنهي مهزلته، وتنطلق مع الأمة نحو غاياتها الحيوية.
الدكتور ماهر الجعبري
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين.