Take a fresh look at your lifestyle.

بنو إسرائيل في القرآن الكريم – ح2

 

سنتحدث اليوم عن بعض الحوادث التي حصلت بين سيدنا موسى عليه السلام وقومه بني اسرائيل وذلك بعد بعثته عليه السلام . لنرى المواقف الشاذه التي وقفها بنو اسرائيل من نبيهم موسى, ولنتبين الاخلاق الذميمة التي اتصف بها هؤلاء القوم تلك الاخلاق التي ظلت تلازمهم ولم تنفك عنهم رغم السياسة الحكيمة التي اتبعها موسى معهم والمنن العظيمة التي مَنَّ الله بها عليهم .

ولنبدأ من البداية , اي عندما كانوا في مصر وقبل ان يغادروها مع موسى هرباً من فرعون .

لقد راى بنو اسرائيل الايات القاطعة بصدق نبوة موسى وصدق رسالته عندما عرض هذه الايات على فرعون , من معجزة يده ولسانه الى العصا التي لقفت افك السحرةِ المدعين :

[ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) ] الاعراف,

ثم شاهدوا البلاء الذي انزله الله على فرعون وملئه من جراد و قُمَّل وضفادع ودم , كانت تصيب قوم فرعون ولا تقترب من بني اسرائيل : [ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) ] الاعراف.

وهي اياتٌ ومعجزات كفيلة بأن تجعل كل ذي لب يومنُ ويخضعُ لله الواحد القهار.

لكن بني اسرائيل ليسو من ذوي الالباب الا من رحم ربي …,,وهم قليل.

ولنستمع للقصة كاملة ونرى المواقف المتضادة ثم نعلق عليها بعد ذلك : [ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) ] الاعراف.

اريد ان تلاحظن اخواتي الفرق بين موقف السحرة عندما آمنوا وهددهم فرعون بالقتل والتنكيل , وموقف بني اسرائيل عندما هددهم فرعون بتقتيل الابناء واستحياء النساء.

السحرة كان ردُّهم ردَّ المؤمنِ الواثقِ بربه الذي تهونُ عنده كُلُّ التضحياتِ ما دام الله معهم وسيثيبهم على صبرهم فالواضح من ردهم قوة ايمانهم وثقتهم بالله وبوعده . لذلك نجدهم لجأو اليه سبحانه يرجون منه الصبر والتثبيت ليموتوا على الدين الحق [ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) ] الاعراف.

اما بنو اسرائيل فماذا قالوا لموسى ؟ …..اشتكوا وتباكوا وراحوا يندبون حظهم في هذه الحياة متجاهلين نبيهم ومستخفين بوعده وبشارته , ولم يفرقوا بين حالهم قبل بعثة موسى وبعدها . مع ان الفرق كبير وواضح لمن امن بالله رباً وبموسى نبيا ورسولا , فهم بعد رسالة موسى وايمانهم به سيكون امرهم كله خير , ان نجوا من فرعون فذلك خير ونعمة من الله تعالى وفضل , وان لم ينجوا فذلك خير ايضاً,لمن صبر واحتسب, مع ملاحظة ان نبيهم وعدهم بالنجاة وبهلاك عدوهم , لكن هذا يفهمه المؤمن الحق كحال السحرة الذين امنوا عن بينة فكان ايمانهم عجباً ,وقد هانت عليهم كل تضحية يقدمونها في سبيل ثباتهم على الحق .حتى لو كانت تقطيع الايدي والارجل من خلاف والصلب وما سيفضي اليه هذا العذاب من موت . فالقلوب مطمئنة انها سائرة الى جنة عرضها السموات والارض ورضوان من الله اكبر .

اما بنو اسرائيل فكان ردهم انكار للحق وتشكيك بوعد الله وانعدام الثقة بموسى النبي المرسل.

فموسى يقول لهم : [ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) ] الاعراف.

وهم يردون :  [ أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ]

هو يعدهم بأن يتخلصوا من عدوهم ويرثوا الارض , وهم لا يرون تغير في حالهم ولا يصدقون انهم ناجون من فرعون وجبروته , فهل هم صم لم يسمعوا بشرى نبيهم ام هو الشك وانعدام الثقة ؟ والتقليل من شان موسى وما قد يفعله من اجلهم , الشك الذي هو وجه من وجوه الكفر والعياذ بالله ,لكن ماذا نقول , هؤلاء هم بنوا اسرائيل.

وحتى لا يتهمني احد بانني اعادي السامية وارميهم بما ليس فيهم , استمعن لهذه الحادثة التي تؤكد ما ذهبت اليه من اتهامهم بفقدان الثقة بنبيهم وتشككهم بوعد ربهم , والذي لا ارى الا انه نابع من ضعف في الايمان .ومن سوء خلق قد يظن البعض انه ربما نتج عن طول المعاناة التي تجرعوها في ظل الحكم الفرعوني البغيض , لكن الاحداث ستكشف ان سوء الخلق هذا هو سجية عندهم وليس طارئاً ولا ناتجاً عن طول معاناة وطول استعباد.

تلك الحادثة تتمثل في موقف متشكك شبيه بالموقف السابق.

ففي اثناء رحيلهم عن مصر فراراً من فرعون وجنوده , يرى بنوا اسرائيل بأن فرعون وجنوده قد اقبلوا في اثرهم فماذا تراهم قالوا لنبيهم ؟ [ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) ] الشعراء.

هل سمعتن اخواتي ! انا لمدركون . وان هي للتوكيد , فهم اذن لا يقيسون الامور الا بالمقياس المادي ,ففرعون وجيشة اكثر منهم عدداً وعدة , لذا فانهم لا بد مدركوهم ومعيدوهم الى حياة العبودية والذل , اما المقياس الروحي الذي يطمئن القلوب بصدق وعد الله , وبان النصر من عند الله وليس بكثرة العدد والعدة فانه لم يكن له اثر عند بني اسرائيل .فهل كان الايمان متغلغل في نفوسهم , ولنقارن موقفهم هذا بموقف الصحابة الاجلاء من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين وقف يصلي ويدعو الله في معركة بدر , اذ بلغ فيه التضرع ان سقط رداءه عن كتفه , فما كان من ابي بكر رضي الله عنه الا ان قال له : (يَا نَبِيّ اللّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِك رَبّك ، فَإِنّ اللّهَ مُنْجّزٌ لَك مَا وَعَدَك) .

ولنستمع اخواتي الى الموقف الذي يليق بالمؤمنين المطمئنين حين يدهمهم خطب او يتعرضون للفتنة.

[ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) ] آل عمران.

فكم هو الفرق كبير بين موقف المؤمن المطمئن بوعد الله الواثق بنصره ومؤازرته وموقف بني اسرائيل المتشكك المرتاب.

 

اكتفي اخواتي بهذا القدر من قصص بني اسرائيل مع نبيهم موسى عليه السلام على ان نكمل باقي قصصهم معه , في حلقات قادمة باذن الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته