Take a fresh look at your lifestyle.

وقفة مع آية ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ح3

” وقفة مع آية ” وأما وقفتُنا لهذا اليوم فهي مع آيةٍ كريمةٍ تصفُ لنا الداء لكي نهتديَ للدواء حيث يقولُ الله تعالى:-

 

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ﴾ الروم.

 

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ الْمُرَاد بِالْبَرِّ هَهُنَا الْفَيَافِي ، وَبِالْبَحْرِ الْأَمْصَار وَالْقُرَى ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاس وَعِكْرِمَة : الْبَحْر الْأَمْصَار وَالْقُرَى مَا كَانَ مِنْهُمَا عَلَى جَانِب نَهَر، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ الْمُرَاد بِالْبَرِّ هُوَ الْبَرّ الْمَعْرُوف وَبِالْبَحْرِ هُوَ الْبَحْر الْمَعْرُوف . وَقَالَ زَيْد بْن رُفَيْع ” ظَهَرَ الْفَسَاد” يَعْنِي اِنْقِطَاعُ الْمَطَر عَنْ الْبَرّ يَعْقُبهُ الْقَحْط وَعَنْ الْبَحْر يَعْنِي دَوَابّه . رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَزِيد بْن الْمُقْرِي عَنْ سُفْيَان عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس الْأَعْرَج عَنْ مُجَاهِد ” ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر ” قَالَ فَسَاد الْبَرّ قَتْل اِبْن آدَم وَفَسَاد الْبَحْر أَخْذ السَّفِينَة غَصْبًا ، وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ الْمُرَاد بِالْبَرِّ مَا فِيهِ مِنْ الْمَدَائِن وَالْقُرَى وَبِالْبَحْرِ جَزَائِره .

وَالْقَوْلُ الْأَوَّل أَظْهَر وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَيُؤَيِّدهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ مَلِك أَيْلَة وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِبَحْرِهِ يَعْنِي بِبَلَدِهِ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى ” ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس ” أَيْ بَانَ النَّقْصُ فِي الزُّرُوع وَالثِّمَار بِسَبَبِ الْمَعَاصِي . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : مَنْ عَصَى اللَّه فِي الْأَرْض فَقَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض لِأَنَّ صَلَاح الْأَرْض وَالسَّمَاء بِالطَّاعَةِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ” لَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْض أَحَبّ إِلَى أَهْلهَا مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ” وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ الْحُدُود إِذَا أُقِيمَتْ كَفَّ النَّاسُ أَوْ أَكْثَرهمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ تَعَاطِي الْمُحَرَّمَات ، وَإِذَا تُرِكَتْ الْمَعَاصِي كَانَ سَبَبًا فِي حُصُول الْبَرَكَات مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض .

وَلِهَذَا إِذَا نَزَلَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي آخِر الزَّمَان يَحْكُم بِهَذِهِ الشَّرِيعَة الْمُطَهَّرَة فِي ذَلِكَ الْوَقْت مِنْ قَتْل الْخِنْزِير وَكَسْر الصَّلِيب وَوَضْع الْجِزْيَة وَهُوَ تَرْكهَا فَلَا يَقْبَل إِلَّا الْإِسْلَام أَوْ السَّيْف فَإِذَا أَهْلَكَ اللَّه فِي زَمَانه الدَّجَّال وَأَتْبَاعه وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج قِيلَ لِلْأَرْضِ أَخْرِجِي بَرَكَتك فَيَأْكُل مِنْ الرُّمَّانَة الْفِئَام مِنْ النَّاس وَيَسْتَظِلُّونَ بِقَحْفِهَا وَيَكْفِي لَبَن اللِّقْحَة الْجَمَاعَة مِنْ النَّاس وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِبَرَكَةِ تَنْفِيذ شَرِيعَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا أُقِيمَ الْعَدْل كَثُرَتْ الْبَرَكَات وَالْخَيْر . وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الْفَاجِر إِذَا مَاتَ يَسْتَرِيح مِنْهُ الْعِبَاد وَالْبِلَاد وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل حَدَّثَنَا مُحَمَّد وَالْحُسَيْن قَالَا حَدَّثَنَا عَوْف عَنْ أَبِي مِخْذَم قَالَ وَجَدَ رَجُل فِي زَمَان زِيَاد أَوْ اِبْن زِيَاد صُرَّة فِيهَا حَبّ يَعْنِي مِنْ بُرّ أَمْثَال النَّوَى مَكْتُوب فِيهَا هَذَا نَبْت فِي زَمَانٍ كَانَ يُعْمَل فِيهِ بِالْعَدْلِ ،، وَرَوَى مَالِك عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم أَنَّ الْمُرَاد بِالْفَسَادِ هَهُنَا الشِّرْك وَفِيهِ نَظَر.

وَقَوْله تَعَالَى ( لِيُذِيقَهُمْ بَعْض الَّذِي عَمِلُوا ) أَيْ يَبْتَلِيهِمْ بِنَقْصِ الْأَمْوَال وَالْأَنْفُس وَالثَّمَرَات اِخْتِبَارًا مِنْهُ لَهُمْ وَمُجَازَاةً عَلَى صَنِيعهمْ، وَقَالَ:  ( بَعْض الَّذِي عَمِلُوا ) لِأَنَّ مُعْظَم الْجَزَاء فِي الْآخِرَة ، ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ أَيْ عَنْ الْمَعَاصِي كَمَا قَالَ تَعَالَى ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ).

قال الإمامُ ابنُ قيّم الجوزيّة ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد :-

 

( ومن له معرفةٌ بأحوالِ العالمِ ومبدئه يعرفُ أن جميعَ الفسادِ في جوهِ ونباتهِ وحيوانه، وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه، ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها، وسلب منافعها، أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى‏:‏ ( ‏ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس‏ )‏ ، ونزّل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة ، بعضها آخذ برقاب بعض، وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم ‏.‏ ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكثر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم‏.‏ وقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن بعض بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان ينبت أيام العدل‏.‏ وهذه القصة، ذكرها في مسنده، على أثر حديث رواه‏.‏ وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، حكمًا قسطًا، وقضاء عدلًا، وقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذا بقوله في الطاعون ” ‏إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل ” ‏‏.‏ وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام، وفي نظيرها عظة وعبرة‏.‏

وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السماء،والقحط والجدب، وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلامٍ وغمومٍ تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًا، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له، والعاقل يسيّر بصيرته بين أقطار العالم، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وبالله التوفيق ) .

ألا يحقُّ لنا أن نتساءلَ بعدَ ما تقدمَ بيانُه ونحنُ نرى بأمِّ أعينِنا فساداً عارماً وفتناً كقطعِ الليلِ المظلمِ تجعلُ الحليمَ حيراناً،،
لمَ جعلَ الله بأسَنا بينَنا شديداً وضربَ بعضُنا رقابَ بعضٍ ؟؟ أليسَ لأننا ضيَّعنا الحكمَ بمَا أنزلَ الله ، أليسَ لأنَّ المسلمينَ رضُوا بأنْ يكونُوا معَ الخوالفِ المتقاعسينَ عنِ العملِ كي يُحكمُوا بكتابِ الله وسنتِه إلا منْ رحمَ ربِّي ، فعمَّ البلاءُ وساد الشقاء؟!

لمَ مُنعنَا القطرَ منَ السماءِ وابتُلينا بالقحطِ والجفافِ والغلاءِ والمجاعاتِ؟! ولمَ ابتُلينا بحكامٍ عملاءَ وسلاطينَ جبناءَ سامونَا سوءَ العذابِ وباعُوا البلادَ والعبادَ بثمنٍ بخسٍ؟!

ولمَ انتشرَتْ في بلادِنا الأمراضُ والأوبئةُ ممَّا لم يكُنْ سابقاً وبشكلٍّ غيرِ معهودٍ، ولمَ شاعَتِ الفواحشُ ما ظهرَ منهَا وما بطنَ فضاعَتِ الفضيلةُ وسادَتِ الرذيلةُ؟!
ولمَ سلّطَ الله علينَا عدواً قاهراً منْ غيرِنا فاحتلُّوا بلادَنا وقتلُوا أبناءَنا وانتهكُوا حرماتِنا ونهبُوا خيراتِنا ودنسُوا مقدساتِنا وأذلونَا بعدَ عزٍّ وشرفٍ وسؤددٍ؟!

إنَّ سنةَ اللهِ في خلقِه لا تتغيرُ ولنْ يغيرَ الله ما بقومٍ حتى يغيرُوا ما بأنفسِهم ، ولنْ يعودَ الأمرُ إلى نصابِه ونعودَ كما كنّا سادةَ الدنيا ، نملكُ زمامَ أمورِ حُكمنا وثرواتِنا ومقدراتِ أمتِنا ويعمُّ الخيرُ بلادَنا ، ويزولُ الفسادُ من أرضِنا إلا حينَما يبرأُ المسلمونَ من الذنوبِ والمعاصِي ويتوبونَ إلى الله توبةً نصوحاً ويعملونَ لإعادةِ حكمِ الله في الأرضِ ، فيكرمُنا الله ببيعةِ خليفةٍ للمسلمين رشيدٍ ليسودَ الإسلامُ من جديدٍ وما ذلكَ على الله ببعيد ، وسبحانَ الله القائلِ:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ (96)﴾  فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ). الاعراف

اللهم جنبنا الفتنَ ما ظهرَ منهَا وما بطنَ ومَا علمنَا منها وما لمْ نعلم
اللهم اجعلْنا ممنْ يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَه اللهم آمين

 

وصلِّ اللهم على سيدنا مُحمدٍ وعلى آلهِ وأصحابه وأزواجِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

أم القعقاع