مطلع عام هجري جديد نذكر الأمة الإسلامية بواجبها نحو إقامة خلافتها
يمر العام وراء العام، وأمة الإسلام تدخل عامها الثالث والثلاثين في قرنها الخامس عشر الهجري. وها نحن نعيش هذه الأيام أوائل عام هجري جديد، ومع كل أسف، فإن الذي يُقطِّع قلب كل مؤمن حيّ غيور على أمته، أن العالم الإسلامي ما زال يفتقد دولته، وما زالت الأمة الإسلامية بلا خلافة ولا إمام يوحّدها. ويعيش المسلمون في عدد كبير من الدول يتحكم فيها الغرب الكافر ويحكمها حكام لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، حكام روبيضات طبقوا في بلاد المسلمين كل شيء إلا الإسلام، فالله نسأل أن تشرق شمس العام الجديد ويكون النصر فيه، وعلى المسلمين خليفة تبايعه الأمة على الكتاب والسنة، يقيم فيها الجُمع والجماعات، ويقودها بالجهاد لتحرير الأرض المحتلة، ولفتح باقي العالم ونشر الدعوة الإسلامية في باقي ربوع الأرض.
لقد مرت الأمة في تاريخها الطويل من قَبْلُ بأزمات كثيرة، بل نكبات كثيرة، كان المسلمون يفقدون فيها تمكّنهم في الأرض أحياناً، وأحايين كثيرة كانوا يفقدون أمنهم وطمأنينتهم، وأحياناً كانوا يفقدون ديارهم وأموالهم، وهكذا الفتن والمصائب والنكبات إذا نزلت بالأمم.
لكن الأمة الإسلامية لم تمر بتجربة أقسى، ولا وضع مؤلم، ولا واقع مشين، كتجربتها ووضعها وواقعها الحالي، وذلك منذ سقوط دولتها، وتقسيمها واحتلالها من قبل الغرب الكافر. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد مرت أزمات كثيرة تجاوزتها أمة الإسلام (الردة، مقتل عثمان، الحروب الصليبية وحرب التتار، ضياع الأندلس..). إن هذه مجرد أمثلة من بعض مصائب ونكبات الأمة على مر تاريخها الطويل، ولقد اجتازت كل العقبات والمعوقات، ولكن محنتها بفقدان الدولة كانت أكبر من كل ذلك، والعمل لها يجب أن يكون على قدر المصيبة الكبرى في حياة الأمة.
هذه الأزمة التي يعانيها المسلمون هي أقسى وأشد من جميع الأزمات السابقة من جهة، ومن جهة أخرى طالت عن سابقاتها وصار الناظر يرى أن الفجر بعيد.
عندما وقعت الحروب بين المسلمين والصليبيين، والتي استمرت حوالي 200 عام وجاءت بعدها غارات التتار على ديار المسلمين، ومع ما كان فيه المسلمون من بدع وخرافات ومعاصي، لكن الإسلام ذاته لم يكن في نفوسهم موضع نقاش، لا بوصفه عقيدة، ولا بكونه نظام حكم، وحتى حين كانوا يُهزمون أمام الصليبيين وأمام التتار، ومع ما كان يُنزِل بهم أعداؤهم من القتل والقهر والخسف، لم يكن صدى الهزيمة في نفوسهم هو الشك في الإسلام، بل كانوا يعتقدون بأن ما أصابهم إن هو إلا لبعدهم عن الدين. كانت تنزل بهم الهزائم والنكبات لكن لم يكونوا يتطلعون إلى ما عند أعدائهم من عقائد أو أفكار أو نظم أو أنماط سلوك، بل كانوا يشعرون -حتى وهم مهزومون- بازدراء شديد لأعدائهم، كان التتار في حسهم همجاً لا دين لهم ولا حضارة، كان الصليبيون في نظرهم هم الكفار المشركون عباد الصليب، كانوا يرونهم منحلي الأخلاق لا غيرة لهم على عرض.
لذلك لم يهنوا -حتى وهم مهزومون أمام أعدائهم فترة غير قصيرة- ولم يشعروا أنهم أدنى من أعدائهم. بل كان يتمثل فيهم قول الله تبارك وتعالى: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران:139].
إن واقع المسلمين في أزمتهم الحالية ونكباتهم المعاصرة كما قلنا أشد من كل سابقاتها، لأن الدين نفسه قد تزعزع في نفوسهم، هذا هو السبب، تخلخلت العقيدة في القلوب فأصبح الشك في صلاحية الإسلام، وحصل الانبهار بحضارة الغرب، وصار الإعجاب بإنجازات الكافر، وفُتح باب الاستيراد من الغرب على مصراعيه، يستورد السيارات والأجهزة والأدوات والأثاث، ويستورد معها الأخلاق والسلوك والأفكار بل والعقائد، ونظم الحكم والتشريع!! فأصبح هناك مسافات بعيدة جداً بين الإسلام الصحيح وبين واقع المسلمين؛ عبادات الناس تغيرت، أخلاقهم تغيرت، سلوكهم تغير، بل دينهم تغير والعياذ بالله، خلت حياة الناس من الروح، وأصبحت الحياة كلها تقاليد موروثة، يحافظ عليها من أجل أنها تقاليد، لا من أجل أنها دين، فالعبادة تقاليد، والسلوك تقاليد، وحجاب المرأة صار تقاليد، وقضية العرض في بعض المجتمعات أيضاً صارت تقاليد…
لقد عرف العدو في هذه المرة كيف يغزو العالم الإسلامي، لم يستخدم في هذه المرة دبابات ولا قاذفات قارات، بل استخدم ما يسمى بالغزو الفكري، ترك الغزو الفضائي والغزو البري، وأحكم قبضته على العالم الإسلامي بالغزو الفكري، وهو أن يسلط على المسلمين فكره وقيمه وسلوكه.
الغزو الفكري يود أن يقنع مجتمعات المسلمين بكل ما لديه، الغزو الفكري يريد أن يجعلك تنظر للغرب بأنه هو الأعلى وهو الأكمل وما عنده هو الأحسن، وتشعر في قرارة نفسك بالذلة والمهانة، فإذا حصل، وقد حصل كل هذا وأكثر مع كل أسف، فماذا حصل بعد هذا؟ سلّم المسلمون ديارهم وأموالهم للغرب، يلعبون فيها كيف يشاؤون، ويأخذون ما شاؤوا دون حسيب ولا رقيب، وصارت خيرات هذه الأمة تستنزف، لتصبّ في جيوب وبطون أعداء الأمة.
أيها المسلمون، إنها حقاً أزمة حادة، بل أزمات، ونحن نستقبل عاماً هجرياً جديداً، يحمل همها المسلمون جميعاً سواء أكانوا العلماء الربانيين أو الدعاة المخلصين أو طلاب العلم العاملين، أو الصالحين الطيبين في الأمة.
فالوضع بحاجة إلى تكاتف الجميع، وشعور بالمسئولية، وأن نبدأ بالعمل الفوري لإعادة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة.
نسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وأن يجعل عامنا هذا عام خير وبر وعمل
محمود الطرشوبي – مصر