Take a fresh look at your lifestyle.

خبر و تعليق التوتر الأمريكي الإيراني … سياسة حافة الهاوية أم الحرب؟

 

لقد أدخلت التوترات الأخيرة بين القوى الغربية وإيران المنطقة مرة أخرى في موجة دبلوماسية، كما وتتزاحم الدول لحماية نفسها من تداعيات المواجهة الأمريكية مع إيران بسبب برنامجها النووي، كما أنّ المناورات العسكرية الإيرانية التي يغلب عليها الخطابات النارية الصادرة عن طهران، ووجود سفن حربية غربية لفرض عقوبات في الخليج الفارسي هذه المناورات تسببت بالذعر الدولي.

 

على خلفية التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، ارتفعت أسعار النفط وتزايدت التكهنات حول توجيه ضربات عسكرية “إسرائيلية” وأمريكية ضد إيران، وعلى سبيل المثال، لمّح وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا بالخيار العسكري في حال ذهبت إيران بعيدا جدا، فقال “علينا التأكيد بأننا مستعدون لأي خيار، وجميع الخيارات مطروحة على الطاولة، يجب أن نبقي جميع القدرات على استعداد تام في حال تقاطعت تلك الخطوط” (أي بي أون لاين 13 يناير 2012)، وقد بدأت أحدث جولة من المبارزة الكلامية والتي تخللها أحيانا التهديد بعمل عسكري بقرع أجراس الإنذار بعيدة عن المنطقة مثل موسكو وبكين، ففي حديثه في مؤتمر صحفي، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول مهاجمة إيران بالقول “ليس لدي أي شك من أنّ التطورات الأخيرة هي صب للزيت على النار المشتعلة بين السنة والشيعة، وأبعد من ذلك اندلاع سلسلة من ردود الفعل، ولا أعرف كيف ستتوقف … وبالنسبة لاحتمالات ما إذا كان هذا سيُحدث كارثة أو لا فإنّه يجب عليكم أن تسألوا أولئك الذين يتحدثون مرارا وتكرارا عن هذا الأمر” (الضربة الغربية لإيران ستكون كارثة، رويترز عبر الإنترنت، 18 كانون الثاني 2012). وقال لي سونغ، نائب المدير العام لإدارة شؤون مراقبة التسلح في وزارة الخارجية الصينية أنّ “العمل العسكري سيكون له أثر مدمر على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وإذا اندلعت حرب في المنطقة، فإنّ آثارها لن تقتصر على بلدان المنطقة فقط، بل إنّ أمن الطاقة العالمي والاقتصاد العالمي سيعانيان من ضربة قاتلة” (الصين اليومية على الانترنت، 19 يناير 2012).

 

ومع أنّه يبدو أنّ وراء الحشد العسكري الحالي بوادر حرب بين واشنطن وطهران إلا أنّ إنقاذ الأمريكان للصيادين الإيرانيين ورسالة أوباما إلى القيادة الإيرانية تشير إلى أنّ أمريكا تريد حل هذه القضية دبلوماسيا، وتعليقا على هذه الرسالة، قال الإبراهيمي، نائب رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس لجنة السياسات الخارجية الإيراني ” لقد ذكر أوباما في الرسالة عن التعاون والتفاوض على أساس مصالح البلدين، وذكر في الرسالة أنّه لن يتخذ أي عمل عدائي ضد جمهورية إيران الإسلامية، وهذه ليست المرة الأولى التي يرسل فيها اوباما رسالة إلى جمهورية إيران الإسلامية، وقد كان يتحدث مرارا وتكرارا بلهجة لينة مع جمهورية إيران الإسلامية، ولكن في الممارسات العملية لا يتصرف وفقا لذلك” (تفاصيل رسالة أوباما لإيران ، نشرتها طهران تايمز أون لاين في 18 يناير 2012)، ومن جانب الإيرانيين جاءت ردود دافئة بالقول “إنّ الولايات المتحدة لديها الحق في تحريك سفنها الحربية في الخليج الفارسي”.

 

وهذا ما يطرح سؤال: هل هذه الأزمة الخطيرة ستؤدي إلى الحرب، أم هي أزمة مصطنعة من أجل دوافع خفية؟

 

لا يسع المرء إلا أن يلاحظ أنّه على مدى السنوات الست الماضية كان لأمريكا فرص عديدة لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية أو الشروع في تغيير النظام،ولكن في كل مناسبة كانت أمريكا تقلل من حجم التهديد الإيراني، ولا تدعم الشعب الإيراني للإطاحة بالنظام، ويمكن تلخيص بعض هذه الحوادث على النحو التالي:

 

1. في عام 2005، بددت إدارة بوش مخاوف “إسرائيل” من امتلاك إيران أسلحة نووية بعد تقديم الاستخبارات الوطنية (NIE) تقرير 2010-2015، وهو التاريخ المتوقع فيه أن تمتلك إيران قنبلة نووية، بالإضافة إلى ذلك والأهم من ذلك، ادّعى التقرير الاستخباراتي أنّ إيران تخلت عن خطط تسليح برنامجها النووي في عام 2003.

 

2. وفي عام 2007، كان التناقض في سياسة أمريكا تجاه إيران مرة أخرى بارزا على الشاشة، بعد أسر البحرية الإيرانية لقوات بحرية تابعة لحليفتها بريطانيا، فقد كانت سياسة اللامبالاة الأمريكية متعمدة، كما كانت تخشى واشنطن من احتمال أن تكون بريطانيا التي دبرت حادث أسر قواتها البحرية للتحريض على شن هجوم على إيران.

 

3. وفي عام 2008، رفضت أمريكا بيع قنابل خارقة للتحصينات متقدمة “لإسرائيل” وقامت “إسرائيل” بعرض لقواتها الجوية فوق البحر الأبيض المتوسط، والتي فسرت على نطاق واسع من قبل العديد من المراقبين على أنّه تدريب لمهاجمة إيران.

 

4. في عام 2009، اندلعت الاحتجاجات في إيران ضد أحمدي نجاد بسبب إعادة انتخابه، وقد أيّد الاتحاد الأوروبي المتظاهرين، ولكن دعم أمريكا لهم كان في أقوى الأحوال متواضعا، وكان دعم الولايات المتحدة للمتظاهرين من أجل احتواء التظاهرات المدعومة أوروبيا، ما يؤكد على عزوف الولايات المتحدة عن اتخاذ إجراءات حاسمة ضد النظام الإيراني.

 

ولكن يمكن للمرء أن يجادل بأنّ كل هذا كان في الماضي، وأنّه آن الأوان للولايات المتحدة لمهاجمة إيران وبالتالي طمأنة المخاوف “الإسرائيلية”، وأنصار هذا الرأي تقدموا بالعديد من الأدلة لتبرير رأيهم، فعلى سبيل المثال يشيرون إلى نشر الأسلحة من قبل “إسرائيل” فضلا عن دول مجلس التعاون الخليجي، وأنّ الإجراءات سارية لتخريب برنامج إيران النووي، وعلى سبيل المثال كشفت صحيفة وول ستريت أنّ البيت الأبيض سوف يزود دولة الإمارات العربية المتحدة “بالآلاف من القنابل المتطورة، خارقة للتحصينات” وغيرها من الذخائر، وهو جزء من جهود الولايات المتحدة لبناء تحالف إقليمي لمواجهة إيران، وذكر مصدر آخر تزويد الإمارات ب500 صاروخ جو أرض بالإضافة إلى غيرها من الذخائر، وأضافت صحيفة وول ستريت في التقرير: “أنّ إدارة أوباما تسعى لبناء الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والذي يضم المملكة العربية السعودية، البحرين، عُمان، قطر، الإمارات العربية المتحدة والكويت، لتكون قوة موازية لإيران، وذكرت الصحيفة صفقة الأسلحة ذات ال 67 مليار دولار التي أبرمت في البيت الأبيض مع المملكة العربية السعودية في عام 2010 لتزويدها ب 84 من مقاتلات F15 و بالقنابل الخارقة للدروع ذات وزن 2,000 رطل، و 72 طائرة بلاك هوك و 70 طائرة أباتشي وصواريخ باتريوت متقدمة وسفن حربية. صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت أيضا أنّ وزارة الدفاع الأمريكية خططت لتزويد سلطنة عمان بصواريخ ستينغر متوسطة المدى وصواريخ جو جو (وول ستريت جورنال 11 تشرين الثاني 2011). كما ورد في مختلف وسائل الإعلام تقارير بشأن الإجراءات “الإسرائيلية” السرية التي تتضمن حملة من الاغتيالات والتفجيرات وهجمات الانترنت لإضعاف النظام الإيراني ووقف محاولات تطوير قدراتها النووية.

 

ومع ذلك، فإنّه من خلال نشر الأسلحة المتطورة في “إسرائيل” وتسليح دول مجلس التعاون الخليجي وتنظيم أنشطة سرية ضد إيران فإنّ هذا لا يعني أنّ هدف الولايات المتحدة منها هو إيران، حيث يمكن للولايات المتحدة نشر هذه الأسلحة في أماكن أخرى.

 

وعلاوة على ذلك، فإنّ السؤال الأكثر أهمية والذي نسي المراقبون أن يسألوه هو لماذا تريد الولايات المتحدة المخاطرة بمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة ومهاجمة إيران؟! وتجدر الإشارة إلى أنّ إيران قد لعبت دورا محوريا في ترسيخ الهيمنة الأمريكية في المنطقة:

 

1. سعت إيران لإيجاد الاستقرار للاحتلال الأمريكي في العراق من خلال القيادات الشيعية الحاكمة في العراق حيث تربى الكثير منهم وترعرعوا في ظل وصاية طهران.

 

2. كما قدمت طهران دعما لا يقدر بثمن للقوات الأمريكية لاحتواء المقاومة الأفغانية من البشتون وللحيلولة دون انتشارها غربا.

 

3. استمرت إيران في دعم نظام الأسد في سوريا من خلال تقديم الدعم العسكري وكذلك من خلال دعم بعض الحركات والبلدان في جميع أنحاء المنطقة.

 

4. استغلت أمريكا ببراعة التهديد الإيراني في المنطقة لتعزيز الاتفاقات العسكرية مع دول مجلس التعاون الخليجي و”إسرائيل”، وبالتالي فإنّ إيران هي ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط لصالح الولايات المتحدة، إضافة إلى أنّ الولايات المتحدة اعتبرت إيران في كثير من الأحيان قائدة الهلال الشيعي الممتد من لبنان إلى اليمن، وهي بمثابة الحارس لها على احتياطات الهيدروكربون في منطقة الشرق الأوسط.

 

5. لقد استغلت أمريكا البرنامج النووي الإيراني لتبرير الدرع الصاروخي للحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا.

 

لذلك فإنّ مهاجمة إيران لن تؤدي إلا إلى تقويض مصالح الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط، وببساطة فإنّ أمريكا ستكون الخاسر الأكبر، بالإضافة إلى ذلك فإنّ ارتفاع أسعار النفط من شأنه مفاقمة مشاكل الولايات المتحدة الاقتصادية، والتأثير على النمو الاقتصادي الضئيل للولايات المتحدة والذي تعاني منه في الوقت الحالي، وأوباما لا يستطيع أن يتحمل أن يذهب الحرب وإعادة انتخابه يعتمد على اقتصاد الولايات المتحدة في توليد المزيد من فرص العمل للعاطلين عن العمل.

 

إن السبب وراء فرض عقوبات على إيران والقيام بعمليات سرية فيها هو لتهدئة المخاوف الأمنية “الإسرائيلية”، وتأمين الأصوات اليهودية التي تشتد حاجة إدارة أوباما إليها قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني عام 2012، وأمريكا تدرك تماما أنّ هذه الممارسات هي أقصى قدر من الضغط يمكن فرضه على إيران من دون إسقاط النظام الإيراني والذي يؤثر على الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

 

وبالنسبة لدولة يهود، فإنها لا تزال تطمح بخداع أمريكا في مواجهة عسكرية مع إيران، فقد قال وزير الدفاع “الإسرائيلي” أيهود باراك للجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أنّ “إسرائيل” سوف تعطي الولايات المتحدة أكثر من 12 ساعة قبل هجومها على المنشآت النووية الإيرانية، ونتيجة ذلك أجلّت الولايات المتحدة التدريبات العسكرية مع “إسرائيل” (الولايات المتحدة منزعجة بسبب تلميحات “إسرائيل” في نبتها توجيه ضربة من جانب واحد لإيران، موقع الهند تايمز، 23 يناير 2012). فأمريكا تسير بحذر مع “إسرائيل”، لمحاولة التأكد من عدم توجيه أي ضربات عسكرية، ويحرص الأوروبيون من جهة أخرى على دعم “إسرائيل” سرا على أمل أن أي مواجهة مع إيران ستجر أمريكا إلى حرب أخرى لا تستطيع إيقافها في نهاية المطاف وستنزف حتى الموت، ومع ذلك فإنّ الجهد الأوروبي خجول بسبب الأزمة الاقتصادية فيها، وكل هذا يعني أنّ “إسرائيل” ما لم تحصل على دعم قوي من أوروبا ومن بلدان مجلس التعاون الخليجي والتي هي موالية لبريطانيا، فإنّ فرصة توجيه ضربة عسكرية ستبقى ضئيلة.

 

وهذا يترك سؤالا من دون إجابة عن توقيت التوترات والحشد السريع للأسلحة. لقد ازدادت حدة التوتر بين إيران وأمريكا بعد تقرير الوكالة النووية الدولية وقد خدم هدفين لأمريكا. أولا: سعت الولايات المتحدة إلى طمأنة المخاوف “الإسرائيلية” من خلال إثبات جديتها للحد من طموحات إيران النووية من خلال فرض العقوبات والخطابات النارية. الثانية: أمريكا تستعد للتدخل في سوريا، وتراكم الأسلحة في المنطقة هو جزء منه للتصدي لهذا الاحتمال، أما عن توقيت التدخل فإنّه يتوقف على مدى سرعة الولايات المتحدة في سوريا في توحيد المعارضة لتولي السلطة بدلا من نظام الأسد، وروسيا تعي تماما النوايا الأمريكية في غزو سوريا لذلك حذرت الولايات المتحدة بأنها لن تدعم قرار الأمم المتحدة في استخدام القوة.

 

قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ” إذا أراد البعض استخدام القوة بأي ثمن، فإنّه بالكاد نستطيع أن نمنع حدوث ذلك، ولكن نتركهم يفعلون ذلك بمبادرة منهم وحدهم وفي مواجهة ضمائرهم، ولكنها لن تحصل على أي تفويض من مجلس الأمن الدولي. “(روسيا تحذر من عمل عسكري ضد سوريا، وترفض الانتقادات الموجهة لتسليم الذخائر، واشنطن بوست على الانترنت، 18 يناير 2012 ). ولثني الولايات المتحدة أرسلت روسيا شحنة من الأسلحة إلى سوريا ووقعت صفقة تزويد سوريا بطائرات عسكرية بقيمة 550 مليون دولار، وتمركزت بعض السفن البحرية الروسية في سوريا.

 

السبب الآخر لإغراق المنطقة بالأسلحة هو أنّ أمريكا تستعد لحرب محتملة مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين وأوروبا للسيطرة على إمدادات النفط والغاز في الشرق الأوسط. وهي تستعد أيضا لمواجهة عودة الخلافة، لذلك سوف تستخدم عملاءها لتأخير توحيد البلدان الإسلامية في المنطقة.

 

 

أبو هاشم البنجابي