مقدمة:
- إن من عظيم ما فتن به المسلمون في عصرنا هذا هي الأفكار والمفاهيم المتعلقة بالحكم والاقتصاد، ولعلها هي محط تركيز الغرب في هجومه على الإسلام وفي تركيزه لهيمنته وسيطرته السياسية والفكرية.
- وكما أنه من أمراض القرن المنصرم كانت فهم الاسلام بعمومية وغموض، فإن هذا المرض مازالت تعاني منه العديد من الأوساط الفكرية والسياسية. فما زلنا نسمع عند الكثيرين أن الإسلام لم يأت بنظام للحكم، إنما اقتصر فقط على مبادئ عامة في الحرية والشورى والعدل والمساواة.
- بالإضافة إلى ما يشهده واقعنا من دعوة محمومة إلى أخذ النظام الديمقراطي وافتتان الناس بالنظام الديمقراطي وما جاء به من أفكار،والتي من أهمها فكرة سيادة الأمة، وهي الفكرة التي ستكون ان شاء الله مدار حديثنا اليوم بالإضافة إلى فكرة سلطان الأمة.
- أنبه أن مصطلح السيادة ينطوي على أكثر من معنى. فسيادة الدولة مثلاً تعني: صفة تنفرد بها السلطة السياسية في نشاطها الداخلي بحيث تكون آمرة على الأفراد والجماعات؛ والخارجي بحيث تدير علاقاتها الخارجية دون خضوع لإرادة دولة أخرى. وهذا ما يسمى باستقلالية الدولة، وليست هذه محل الحديث الليلة.
محل البحث هو السيادة في الدولة وليس سيادة الدولة
نبذة تاريخية: ان نظرية السيادة من أصل فرنسي، ونلاحظ أن الكلمة الانجليزية sovereignty قد نحتت من الكلمة الفرنسية الأصلية، ولقد استنبطها رجال الفقه الفرنسي القدماء (في عهد الحكم الملكي القديم) أثناء فترة الكفاح الذي كانت تقوم به الملوك في العصور الوسطى، وذلك من أجل إقرار استقلالهم الخارجي إزاء الامبراطور والبابوات، ومن أجل إقرار سلطة الملوك العليا داخل المملكة إزاء الحكام الاقطاعيين الذين كانوا ينازعونهم ويشاركونهم قسطاً من السلطان.
ومنذ القرن الرابع عشر أخذ الفقهاء الفرنسيون ينادون بأن الملك يستمد سلطته من الله (نظرية الحق الالهي)، ولكن اصطلاح “السيادة” لم يكتمل مدلوله في صالح سلطان الملوك إلا في القرن السادس عشر، ويتلخص ذلك المدلول في أن السيادة أصبح يقصد بها تلك السلطة العليا التي لا تجد منافساً أو مساوياً لها في السلطة داخل الدولة.
وحين جاءت الثورة الفرنسية عام 1789م عمد رجال الثورة الفرنسية إلى الاحتفاظ بنظرية السيادة، ولكنهم نقلوها -بخصائصها- من الملك إلى الأمة، أي أنهم جعلوا الامة هي صاحبة السيادة بدلاً من الملك.
- السيادة حسب تعريفها هي تلك السلطة العليا التي لا تعرف في تنظيمها للعلاقات سلطة عليها أخرى، فهي بمثابة “حق أمر” (أي حق يخول لصاحبه سلطة إصدار الأوامر) فصاحب السيادة تعتبر إرادته من معدن أعلى وأغلى من معدن إرادة الأفراد (المحكومين)، فإرادته تعتبر مشروعة لا لسبب إلا أنها إرادة صاحب السيادة، فإذا كانت الأمة هي صاحبة السيادة فإن إرادتها تعد مشروعة لا لسبب إلا لأن هذه الإرادة صادرة من الأمة، كما كان يقال قديما (في عهد الحكم الملكي المطلق المستند إلى نظرية الحق الإلهي) إن إرادة الملك تعد مشروعة لا لسبب إلا لأنها صادرة من صاحب السيادة: الملك. ويرى البعض بحق أن نظرية سيادة الامة لم تكن إلا بمثابة استبدال “الحق الإلهي” للملوك بالحق الإلهي للشعوب، أو بعبارة أخرى أن الأمة هي التي أصبحت تنادي بنظرية الحق الإلهي!!
- السيادة، اصطلاح غربي، والمراد بها في الواقع من خلال استقراء وجهات نظر رجال القانون الوضعي، أنها: الممارس للإرادة والمسُيِر لها، في العلاقات جميعها، وحتى في الأشياء.
ومن هذا المنطلق، فإن التعبير الدقيق الذي يصف واقع السيادة وفق هذا المفهوم أنها: (سلطة عُليا مطلقة، لها وحدها حق اصدار الحكم على الأشياء والأفعال)، أو بلفظ آخر: (سلطة أصلية، مطلقة، عامة، متفردة، غير محدودة، تهيمن على الأفراد والجماعات)، فالمقصود بسيادة الأمة مثلاً، أن الأمة وحدها لها حق ممارسة الإرادة، والمسير لها في الحكم على الأشياء والأفعال، في صورة سن القوانين لتنظيم الحياة، وفق ما يمليه العقل.
خصائص السيادة:
السيادة سلطة عليا آمره:
* تفردت بالحكم فلا تشرك في حكمها أحداً، إرادتها هي القانون، وتوجيهاتها هي الشريعة الملزمة.
* تفردت بالعلو، فلا تعرف سلطة أخرى تعلو عنها أو تساويها.
* قائمة بذاتها، فلم تكتسب سلطانها من إرادة أخرى.
* حقوقها مقدسة، لا تقبل التنازل ولا يسقطها التقادم.
* معصومة من الخطأ، فكل ما يصدر عنها هو الحق والعدل.
فهل يشك مسلم أن هذه الصفات لا تليق أصلاً إلا بالله عز وجل؟!
- أدلة كون «السيادة» للشرع
في القرآن نصوص كثيرة جداَ تدل على أن الشرع وحده هو صاحب السيادة المطلقة، فمن هذه النصوص:
قال تعالى:( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان: إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون). فإن كان المقصود بالعبادة معناها الضيق، أي الشعائر التعبدية: ركوع، وسجود، وصلاة وصيام، وتقديم صدقات ونذور..الخ، فهذه لا تصرف إلا لله وحده لا شريك له، ولا تصرف لغيره، لأنه أمر بذلك، بوصفه المتفرد بالحكم، أي بوصفه صاحب السيادة:
(أمر ألا تعبدوا إلا إياه)، ولو أمر بصرف شيء من تلك الأفعال والشعائر لغيره لوجبت طاعته.
وإن كان المقصود بالعبادة معناها الشامل الواسع، ألا وهو: الخضوع، مع الطاعة والاتباع؛ فتكون جملة:(أمر ألا تعبدوا إلا إياه)، تفريع، وتطبيق، وبيان للجانب العملي التطبيقي لجملة: ]إن الحكم إلا لله[، التي هي الجانب المعرفي النظري.
وقال الله تعالى: ( إن الحكم إلا لله، يقص الحق، وهو خير الفاصلين ). وهذه صيغة حصر، فالحكم له وحده، لا شريك له، حصراً. وهو الذي يفصل في كل نزاع، ويحكم في كل خلاف، حكماً فصلاً نهائياً، لا تعقيب عليه، ولا مسائلة له: في الدنيا بتعريف الحلال والحرام، والخير والشر، وفي الآخرة بالفصل النهائي العادل المطلق بين العباد.
وقال الله تعالى: ( ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين ) وهذه صيغة حصر أيضاً. فكما أنه هو وحده الخالق الرازق، فهو وحده الآمر الناهي، أي أنه هو وحده السيد المتفرد بالحكم(لا كما يقول العلمانيون له الخلق ولنا الأمر!).
وقال الله تعالى: ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله، ذلكم الله ربي، عليه توكلت، وإليه أنيب )
وقال: ( والله يحكم، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب)
وقال: ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )
وقال الله تعالى: ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )
وقال: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ). وقد جاء في تفسير هذه الآية عن عدي بن حاتم ــ رضى الله عنه ــ قال: أتيت رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: «يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك!»، قال: فطرحته؛ وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة «براءة» فقرأ هذه الآية: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، قال قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم!، قال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟» قال قلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم».
قال عبد الله بن عباس: (لم يأمروهم أن يسجدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم، فسماهم الله بذلك أرباباً).
قال الألوسي في التفسير: الأكثرون من المفسرين قالوا: (ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم).
وقال تعالى: ( ألم تر الى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا )
وقال ابن كثير: [هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمد وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية. وقيل غير ذلك والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا ولهذا قال ]يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت[ إلى آخرها].
وقال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً ).
قال تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً )
وقال تعالى: ( أفحكم الجاهلية يبغون؟! ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون )
فهذه نصوص من كتاب الله قطعية الثبوت والدلالة لا مجال لإنكارها، كلها تصب في مقولة واحدة بكل جلاء، مفادها أن السيادة للشرع، لا للعقل، لله تعالى، لا للإنسان.
وكما أرشد القرآن بنصوص كثيرة إلى أن السيادة للشرع، وليست للإنسان، ولا للشعب، ولا للعقل، فالسنة أيضاً قد أرشدت إلى ذلك، عملاً وقولاً،
أما مفهوم السلطان للأمة
وأمّا قاعدة السلطان للأمّة فمأخوذة مِن جعْل الشرع نصب الخليفة من قِبل الأمّة ومن جعْل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة. أمّا جعْل الشرع نصب الخليفة من قِبل الأمّة فواضح في أحاديث البيعة، عن عبادة بن الصامت قال: «بايَعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره» متفق عليه، وعن جرير بن عبدالله قال: «بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة» متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضلِ ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلاّ لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له وإلاّ لم يفِ له، ورجل يبايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أُعْطِي بها كذا وكذا فصدَّقه فأخذها ولم يعطَ بها» متفق عليه. فالبيعة من قِبل المسلمين للخليفة وليست من قِبل الخليفة للمسلمين، فهم الذين يبايعونه أي يقيمونه حاكماً عليهم، وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنّما أخذوا البيعة من الأمّة، وما صاروا خلفاء إلاّ بواسطة بيعة الأمّة لهم. وأمّا جعْل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح في أحاديث الطاعة، وفي أحاديث وحدة الخلافة. عن عبدالله بن عمرو بن العاص يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليُطِعه إن استطاع فإن جاء آخَرُ ينازعه فاضربوا عنق الآخَرِ» أخرجه مسلم، وعن نافع قال: قال لي عبدالله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» أخرجه مسلم، وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية» متفق عليه، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» متفق عليه. فهذه الأحاديث تدل على أن الخليفة إنّما أخذ السلطان بهذه البيعة، إذ قد أوجب الله طاعته بالبيعة، «من بايع إماماً… فليطعه»، فهو قد أخذ الخلافة بالبيعة، ووجبت طاعته لأنه خليفة قد بويع، فيكون قد أخذ السلطان من الأمّة ببيعتها له ووجوب طاعتها لمن بايعته، أي لمن له في عنقها بيعة، وهذا يدل على أن السلطان للأمّة. على أن الرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه رسولاً فإنه أخذ البيعة على الناس وهي بيعة على الحكم والسلطان وليست بيعة على النبوة، وأخذها على النساء والرجال ولم يأخذها على الصغار الذين لم يبلغوا الحُلُم، فكون المسلمين هم الذين يقيمون الخليفة ويبايعونه على العمل بكتاب الله وسنّة رسوله، وكون الخليفة إنّما يأخذ السلطان بهذه البيعة، دليل واضح على أن السلطان للأمّة تعطيه من تشاء.
- ومفهوم “السلطان للأمة” من الخطورة والأهمية بمكان؛ حيث أن حكم التعدي على هذا الحق واغتصابه يصل إلى درجة القتل! وها هو عمر بن الخطاب يؤكد على ذلك بقوله:”إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم” وقوله: “من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرةً أن يقتلا”” وقوله للستة: “من تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه” وفي رواية “من دعا إلى إمرة من غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه”.
فأمر الحكم والسلطان أمر جلل، واغتصابهما ليس كأي اغتصاب. ذلك أن ممارسة السلطان يلزمها مقدرات وموارد عديدة؛ يلزمها المال والرجال، والعقول والجيوش، ويلزمها الكثير الكثير. هذا الكثير الكثير يصادر بمصادرة السلطان، فأي مصيبة تلك التي تحل بالشعوب حينما يصادر سلطانها!
- ويظهر أن قاعدة “السيادة للشرع” جعلت نظام الحكم في الإسلامي يتفرّد بتحقيق المعنى الجميل لسيادة القانون. هذا المعنى الذي أوهم أو توهّم الديمقراطيون أنهم حققوه، بينما هم في الواقع جعلوا السيادة نظريا للأغلبية على الأقلية (وعمليا لقلة قليلة من المتنفذين الرأسماليين). فالأغلبية هي من تضع القانون وهي من تغيره، فكيف يكون القانون سيدها؟! أما الإسلام فضمن بإبعاد التشريع عن هوى الإنسان- ضمن ألا يستعبد القوي الضعيف، ولا الغني الضعيف، بل الجميع يخضع لشرع الله.
- ولعل في قوله تعالى: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) زيادة بيان، حيث أن لولي الدم الحق وسلطان التنفيذ، إما قصاصا أو دية أو عفوا، ولكن من أعطاه هذا الحق إبتداءً؟ هل كان ذلك من خلال أغلبية الأمة؟ أم كان ذلك آليا من عند نفسه؟ كلا! إنشاء الحق وتحديده كان لله عز وجل، وهو قوله: “جعلنا”. وكذلك في منظومة الحكم، أنشأ الشارع أوامر ونواهي في شتى مجالات الحياة و”جعل” سبحانه وتعالى سلطان التنفيذ للأمة (اقطعوا، اجلدوا،..) تختار من بينها، بعقد البيعة عن رضا واختيار، من ينفذ عليها الأحكام الشرعية.
- ولا تتوقف مفاعيل سلطان الأمة عند اختيار الحاكم فقط، بل إنها تبرز كذلك في محاسبة الحكام، التي أولاها الإسلام عناية فائقة، يقوم بها الأفراد والأحزاب ومجلس الأمة والقضاء، ليس فقط ممارسةً لحق من الحقوق إنما كذلك أداءً لواجب شرعي (فرض كفاية) يترتب عليه الثواب والعقاب. فاقتصار الاعتبار على جانب “الحق” فقط يسمح بتركه لسبب أو لآخر، بينما اعتبار المحاسبة واجبا يؤدي إلى تعميق المفهوم وتركيزه ودوامه، ويؤدي إلى بذل الوسع في ممارسته والإحسان في ممارسته.
- أما إن كانت النظرة إسلامية مبدئية “أيدولوجية” فسيكون الربيع مختلفا جذريا عن الذي يجري اليوم. والسبب في رأيي، ببساطة، أن الإسلام جاء من خارج الواقع لمعالجة الواقع، أي أن الواقع في الإسلام هو موضع الأحكام وليس مصدرها، فسَلَمَت بذلك عقيدة الإسلام وأحكامه، كونها من لدن لطيف خبير- سلمت من أعراض النقص والعجز والخطأ والتبديل والتغيير التي تعتري أفكار ورؤى البشر.