الإسلام ضامن لمنع الاستبداد
كلما ذكرت الخلافة وفرضيتها كنظام للحكم، انبرى العديد من المضبوعين بالفكر الغربي للهجوم على الخلافة من باب أن السلطات فيها مركزة في يد شخص واحد, وهذا ما يجعله مستبدا. ولقد انطلق الفكر الغربي في بلورته لمبدأ الفصل بين السلطات من رغبته في منع الاستبداد لكي توقف كل سلطة السلطة الأخرى وتمنعها من الطغيان.وقد أكد مونتسكيو أن الحرية تفقد معناها حين تتركز السلطة التنفيذية والتشريعية في يد شخص واحد.
وقد اعتبر كثير من المفكرين السياسيين المسلمين المعاصرين أن هذا الفصل لا يتنافى مع الفكر السياسي الإسلامي، نظرا لتغير الظروف البيئية, ومن منطلق المصلحة- حسب رأيهم- برغم اعترافهم أن مبدأ الفصل بين السلطات لم يكن مأخوذا به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين الذين جمعوا السلطات الثلاث.
والواقع أن مشكلة الاستبداد لم تنشأ لوجود مشكلة تركز السلطات, وإنما وجدت أساسا لانعدام القواعد الشرعية الثابتة في الفكر الغربي، بل إن القواعد التي فيه تعطي العقل السلطة في التشريع, ومن المعلوم أن ما ينتجه العقل من أحكام لا يتصف بالثبات, وإنما هو عرضة للتغيير والتبديل من وقت لآخر. أما الشريعة الإسلامية فقد جاءت بأنظمة وتشريعات ثابتة لكافة جوانب الحياة ومنعت الحاكم من تجاوزها مطلقا, وأكدت أن تجاوزها يؤدي إلى خروج الحاكم عن الإطار الإسلامي المتضمن للشرعية مما يستلزم “عدم الطاعة” للحاكم الجائر في المعصية, ويستلزم النصيحة له, أو الخروج عليه إذا تحققت الشروط المؤدية الى ذلك من كفر بواح, فضلا عما نصت عليه الشريعة من حقوق الرعية في محاسبة الحاكم وإنكار المنكر.
وإننا إذا استعرضنا واقع النظام الغربي فإننا نلحظ أنه باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي نرى فيها هذا الفصل بين السلطات, نجد دولا أخرى كسويسرا تأخذ بمبدأ دمج السلطات. كما يمكننا أن نرى دول أخرى كإنجلترا تقيم تعاونا بين السلطات. ولذلك فمبدأ الفصل بين السلطات لا يعد قاعدة لبناء حكم ديمقراطي بعكس ما يتوهمه المضبوعون بالغرب الذين لا يرون أي تناقض بين الديمقراطية والإسلام. وبنظرة بسيطة للممارسات السياسية في الدول الديمقراطية نلاحظ هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، فالبرلمان رهين بالموافقة على برنامج الحكومة التي تأتي ومعها مجلسها التشريعي الذي يرتبط بتأييدها.
إن إقامة هيئة مستقلة تتولى التشريع وسن القوانين مخالف لإجماع الصحابة على حصر سلطة تبني التشريعات في الخليفة , وأن له وحده الحق في إلزام الرعية بالأحكام الشرعية التي يتبناها من المصادر الشرعية, والإلزام بالقوانين الإجرائية التي تحقق مصلحة الدولة والرعية بما لايخالف الشرع, نحو القوانين التي سنها أبوبكر وعمر رضي الله عنهما بشأن العطاء ووقف الأراضي الخراجية, وما سنه عثمان رضي الله عنه من الإلزام بكتابة المصاحف بلغة قريش “فالإمام راع وهو مسؤل عن رعيته”.
ولقد راعى الشارع واقع كون الخليفة شخصا غير معصوم قد يضعف عنده الوازع الديني ما يؤدي إلى الاستبداد. ولهذا جاء الإسلام بأحكام وضوابط شرعية تعالج هذا الواقع وتحول دون حصول إساءة التطبيق أبرزها ما يلي:
1-إن الحاكم في الإسلام ليس منشأ للأحكام ابتداء وإنما هو متبنٍّ لها. ولهذا فإن مسألة التشريع تعد محسومة سلفا في النظام السياسي الإسلامي، بخلاف الأنظمة الوضعية التي لا يستند التشريع فيها إلى قواعد وأحكام ثابتة مما قد يؤدي إلى استغلال سلطة التشريع لتبرير استبداد الحاكم أو تركيز سلطة أفراد أو طبقة معينة في الحكم, ولقد رأينا كيف يتدخل الحكام في سن التشريعات في الأنظمة المعاصرة لما يوافق هواها, وكيف يمكن لها تغيير الدستور لتقوم بتمديد فترة حكمها, أو توريث أحد أبنائها.
2-الخليفة ملزم بالتقيد بالشرع في كل أمر عند سن القانون, كما أن طاعة الحاكم في الدولة الإسلامية مقيدة بالتزامه بالشرع وعدم الخروج عليه. ولهذا فإن سيادة الشرع في الدولة الإسلامية تعتبر ضمانا لمنع الاستبداد السياسي وإستغلال التشريع كأداة للسيطرة السياسية.
3- القوانين الإجرائية في الدولة الإسلامية مقيدة بعدم مخالفة الشريعة, فليس للدولة مثلا إلزام الناس بقانون يمنع تعدد الزوجات أو الطلاق أو منع زواج المسلم للمسلمة بسب الانتساب القبلي أو الإقليمي, فهذا ليس من تنظيم المباح الذي أعطي للخليفة حق تنظيمه, وإنما هو في حقيقته تحريم لما أحل الله.
4-حق الأمة في محاسبة الحاكم انطلاقا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى”كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره”. كما أن وجود الأحزاب الإسلامية في الدولة التي تراقب عمل الحكام وتأخذ على أيديهم وتأطرهم على الحق أطرا ضمانة أخرى تمنع الاستبداد.
5-أشار الفقهاء إلى الجهة المنوط بها التأكد من شرعية القوانين ومحاسبة الحاكم إن هو قصر في أداء مهامه وهي محكمة المظالم استنادا إلى قول الحق سبحانه وتعالى”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً” أي أن الإسلام يوجب وجود هيئة قضائية عليا في الدولة تتكفل بمراقبة الحكام للتأكد من حسن تطبيق الإسلام ومنع أي مظهر من مظاهر الاستبداد.
بهذا يتبين لنا أن النظام الإسلامي هو نظام يملك الضمانات الكافية لمنع الاستبداد, وهو فوق ذلك أعظم نظام عرفته البشرية لأنه من عند العليم الخبير الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه, قال تعالى “آلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”.
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – ولاية مصر