تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الثامنة
الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.
أيها المسلمون:
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب”من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: أخرج أبو داود عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها «أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفاً، وقالت: لمّا نزلت سورة النور عَمِدْنَ إلى حجورٍ فشققنهن فاتخذنه خُمُراً». قال ابن إسحق: … وقَدِمَ على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الأشعثُ بنُ قَيس في وَفدِ كِنْدة. فحدَّثني الزُّهريُّ أنَّه قَدِمَ في ثمانينَ رَاكباً مِن كِندَة، فَدَخلُوا على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَسجدَه، قد رجَّلوا جُمَمَهم, والجُمَمُ جمع جُمَّة وهي شعر الرأس الكثيف, وتكحَّلوا, عليهم جُبَبُ الحِبَرَة قد كفَّفوها بالحرير. فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «ألم تُسلِمُوا؟ » قالوا: بلى. قال: «فما بالُ هَذا الحرير في أعناقكم؟» قال: فشَـقُّوه مِنها فألقَوْه.
وروى ابن جرير عن أبي بريدة عن أبيه قال: “بينا نحنُ قُعودٌ على شَرابٍ لنا, ونحنُ على رَملةٍ, ونحنُ ثلاثةٌ أو أربعةٌ، وعندنا باطيةٌ لنا, ونحنُ نَشربُ الخمرَ حِلاًّ, إذ قمتُ حتى آتيَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأسلِّمَ عليه, إذ نزلَ تحريمُ الخمر في قَولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}. (المائدة 90) إلى آخر الآيتين {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. فجئتُ إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. قال: وبعضُ القومِ شُربتُه في يَدِه قَد شَرِبَ بعضَها وبقِيَ بعضٌ في الإناء، فقالَ بالإناءِ تحتَ شَفتِه العُليا، كما يَفعلُ الحجَّامُ، ثمَّ صبُّوا ما في باطيتهم فقالُوا: انتهينا ربَّنا”.
أيها المسلمون:
حنظلةُ بنُ أبي عَامر، غَسيلُ الملائِكَةِ رضيَ اللهُ عنهُ، سَمِعَ النَّداءَ إلى مَعركةِ أُحُد، فلبَّى النِّداءَ مُسرعاً. وقد استُشهدَ يَومَ أُحُد. قال ابن إسحق: فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ صَاحِبَكُم لِتَغسِلَهُ الملائكةُ فاسألُوا أهلَهُ مَا شأنُه؟». فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ، وَكانَت عَروساً عَلَيهِ تِلكَ الليلة. فقالَت: خَرَجَ وهُو جُنُب حِينَ سَمِعَ الهاتِفَةَ. فقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَذلِكَ غَسَّلَتهُ الملائكة». وَأخرَجَ الإمامُ أحمدُ عَن رَافعٍ بنِ خَدِيجٍ قالَ: «كُنَّا نُحَاقِلُ بِالأَرْضِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ مِنْ عُمُومَتِي فَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ فَنُكْرِيَهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى وَأَمَرَ رَبَّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا وَكَرِهَ كِرَاءَهَا وَمَا سِوَى ذَلِكَ». أرأيتُم إخوةَ الإيمانِ كَيفَ كَانَتْ سُرعَةُ الاستجابةِ للهِ وَرَسُولِه عِندَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أجمعين؟
فتشبَّهوا إن لم تكونُوا مثلَهمْ إنَّ التشبُّـهَ بالكـرامِ فلاحُ
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ.
وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.