Take a fresh look at your lifestyle.

الفساد من وجهة نظر الإسلام

لا يختلف اثنان على مدى خطورة الفساد وأثره في الحياة فكراً وسلوكاً لا سيما وقد تعددت صوره وأنواعه وأشخاصه وقد استشرى حتى عم أركان الوجود وقد كثر الحديث عن الفساد بعد الثورات العربية حيث كان من أبرز الشعارات المرفوعة في الثورات العربية, لذا كان لا بد من المهتمين والعاملين للنهضة وإحداث التغيير من سبر واقعه وبيان كيفية معالجته من خلال القاعدة الفكرية للأمة الإسلامية ألا وهي نظرة الإسلام عقيدة ونظاماً.

لقد تعددت نظرة الباحثين إلى سبر واقعه لاختلاف نظرتهم . هل يشمل الفساد القاعدة الفكرية (الأفكار والمفاهيم عن الحياة ) المبادئ والعقائد؟ أم أن الفساد ناتج عن اختلال في السلوك البشري نتيجة التطبيق والإساءة في التطبيق مع التسليم بصحة المفاهيم و النظرة الكلية للوجود, كل حسب نظرته وقاعدته في الحياة؟

إن الناظر في كتاب الله عز وجل يجده قد تطرق إلى مفهوم الفساد مبينا واقعَه وتعددَ إشكاله حيث وردت كلمة ( فسد ) خمسون مرة في كتاب الله في إحدى وعشرين سورة قرآنية متحدثة عن فساد العقائد والمفاهيم والحكام والفساد المالي والإداري والاقتصادي والإفساد في الأرض … .

و المتأمل في هذه الآيات التي ذكر فيها الفساد يجدها تشمل فساد المفاهيم والأفكار دلالة من القرآن الكريم على شمول فساد المبادئ أو صحتها ضمن مفهوم الفساد حيث قال تعالى في محكم التنزيل: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء (22)، أي لو كان في الوجود آلهة إلا الله الخالق الواحد لفسد الوجود لما يترتب على هذا التعدد من فساد في مفهوم الإله وصفاته ومحدودية كل اله ولعلا بعضهم على بعض من قصد المغلبة والحروب وهذا لا يمكن حتى تصور وجوده ومن هنا نجد أن القرآن الكريم قد ضرب فكرة تعدد الآلهة وفساد أثرها على الوجود وإذا ثبت فساد أصل القاعدة الفكرية فلا شك في فساد كل تفاصيل الوجود من باب أولى، لذا كان على المهتمين بيان فساد الأصل وعدم الاقتصار على فساد الفروع إلا من باب التمثيل وبيان الآثار المترتبة على فساد الأصل .
هذه واحدة،

والثانية، قوله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ……. ) المؤمنون (71) . والأهواء رغبات وميول لدى أصحابها لا تقوم على أساس مقنع للعقل .

و هو فساد التشريع لمن له هوى في التشريع إذ الحق لا يلتقي مع الهوى لأن المشرع قد تدفعه نفسه تبعا لهواه إضافة إلى محدودية التفكير والتأثر في البيئة حيث يكون الحكم عرضة للتناقض والاختلاف والتبديل والتغيير فلا يجوز أن يكون التشريع إلا لله، وهنا أيضا ضرب القرآن الكريم فكرة كون التشريع من غير الله وجعله هوى يترتب عليه فساد السماوات والأرض، ولذا لا ينبغي على المؤمنين بيان تفاصيل الـقوانين البشرية وعدم صلاحيتها للإنسان فقط بل يجب عليهم ضرب مفهوم التشريع من قبل البشر كفكرة ولا يبحث مدى ملائمة القونين للإنسان ثم ذكر بعض الأمثلة (من باب التمثيل ) وبيان أثرها على فساد حياة الإنسان.

بل إن القرآن الكريم ذكر أن المفسدين( أصحاب الآراء والأفكار الفاسدة ) لهم تعريفهم الخاص بالفساد ونتيجة لنظرتهم في الحياة، فتعريف الفساد عند القوم على خلاف ما عليه نظرتهم للحياة ولو كانت نظرتهم فاسدة، بل لو كانت هي أس الفساد، فهنا فرعون مدعي الإلوهية كما ذكر لنا القران الكريم عنه: (…. مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي … ) القصص (38) يخشى دعوة موسى – وهي الحق – ويتهمها بالفساد حيث قال الله تعالى عنه: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر (26) وكذلك زعم قومه قائلين له كما ذكر القرآن عنهم: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ …. ) الأعراف (126) .

و بناءً على ما ذكر نجد أن القرآن الكريم قد أطلق الفساد على المفاهيم والأفكار (المبدأ، القاعدة الفكرية ) ومنها هذه الآية التي فيها إدعاء فرعون للإلوهية و بينت استحالة تعدد الآلهة، وأن التشريع لا يكون إلا للخالق العظيم كما في الآية الأخرى. ونستطيع القول أن تعريف الفساد شمل -وهو الأصل- فساد الأفكار والمفاهيم والقاعدة الفكرية للحياة والتي إذا ثبت فسادها ثبت فساد الفروع من باب أولى ولا يحق لنا أن ننظر إلى فساد الفروع فقط مع إغفال فساد الأصل أو أن نطالب بإصلاح بعض الفروع (القوانين والتشريعات) فقط كما يطالب البعض ويرفع في ثورات العالم العربي لان فاسد الأصل يلزم تغييره بأصل آخر ثبت صحته قطعا،ولأن المطالبة ببعض الإصلاحات مع فساد الأصل هي في حقيقتها محافظة على أصل الفساد ودوران في فلك دائرة الفساد،لذلك كانت (المناداة ببعض الإصلاحات) وترك أصل الفساد وهو النظام الرأسمالي المطبق في بلاد المسلمين مضيعة للوقت وللجهد وخيانة للثورات وبناء على الرمال, حيث الانهيار ولو بعد حين حيث قال تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ) التوبة (109) وهذه القاعدة ملزمة شرعا ومقنعة عقلا .

و مما لا شك فيه فساد النظرة الرأسمالية وقيام المجتمعات في بلاد العالم الرأسمالي على الفكر الرأسمالي الفاسد، لذلك كان الأصل بالمسلمين أن يعملوا على تغيير النظام الرأسمالي من جذوره وإيجاد القاعدة الفكرية الإسلامية الصحيحة حتما وإعادة بناء المجتمعات على أساس الإسلام عقيدة ونظاما بدل الاقتصار على محاربة بعض التشريعات والمناداة ببعض الإصلاحات، مع أنه (النظام الرأسمالي) فاسد الأصل والفرع بل امتلأت الأرض بفساده حتى عمت جميع تفاصيل الحياة، مما أجبر بعض أزلامه على الاعتراف بفساد الأسس التي قام عليها النظام الرأسمالي حيث نادى ساركوزي بإعادة النظر في أسسه وألقى خطبة في مدينة تولوز في نهاية شهر أيلول 2011م قال فيها: “اقتصاد السوق وهم، ومبدأ (دعه يعمل دعه يمر) انتهى، و (السوق كلية الجبروت)، التي كانت دائماً على حق، انتهت أيضاً، ومن الضروري إعادة بناء كامل النظام التمويلي والمالي من الأسفل إلى الأعلى، على غرار ما جرى في بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية.

وقال “لا يمكن الاستسلام إلى نظام مالي مجنون وغير مراقب”.

واذكر تقريرا للأمم المتحدة عما آلت إليه الأوضاع في ظل النظام الرأسمالي حيث ورد فيه :

حذر تقرير للأمم المتحدة من أن الوقت ينفد أمام العالم ليضمن وجود ما يكفي من الغذاء والمياه والطاقة، للوفاء باحتياجات النمو السكاني السريع ولتجنب دفع ما يصل إلى ثلاثة ملايين نسمة إلى براثن الفقر.

وفيما تشير التوقعات إلى أن الطلب على الموارد سيتضاعف مع نمو سكان العالم بنحو 9% بحلول 2040، وحتى بحلول عام 2030 سيحتاج العالم على الأقل إلى زيادة بنسبة 50 % في الغذاء و45 % في الطاقة و30 % في الموارد المائية وفقا لتقديرات الأمم المتحدة في وقت تفرض فيه التغيرات البيئية قيودا جديدة على الإمدادات.

وحذر التقرير الذي صدر، الاثنين، من أنه إذا ما أخفق العالم في التصدي لهذه المشكلات، فإنه يجازف بالزج بنحو ثلاثة ملايين نسمة في دائرة الفقر.
وقال التقرير، الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة للاستدامة العالمية، إن الجهود الرامية لتحقيق التنمية المستدامة ليست سريعة أو شاملة بالقدر الكافي كما أنها تعاني من غياب الإرادة السياسية.

وعلى الرغم من أن أعداد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع تراجعت إلى 27 % من سكان العالم، مقابل 46% في 1990 ونمو الاقتصاد العالمي 75% من 1992، فإن أنماط الحياة الفقيرة وتغير العادات الاستهلاكية وضعا الموارد الطبيعية تحت وطأة ضغوط متزايدة.

وزاد عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية 20 مليوناً مقارنة مع أعدادهم في عام 2000، ويخسر العالم 5.2 مليون هكتار من الغابات سنويا، كما تعاني 85% من المخزونات السمكية من فرط الاستغلال أو نضبت بالفعل.

وقالت اللجنة، التي قدمت 56 توصية لتحقيق التنمية المستدامة للأخذ بها في السياسات الاقتصادية في أسرع وقت ممكن، إن هناك حاجة إلى «اقتصاد سياسي جديد«.

فهل لا زال البعض يطالب وينادي بإصلاح جثة ميتة أزكمت رائحتها الأنوف حتى عافتها سباع الحيوان؟

وأين المسلمين اليوم من قوله تعالى في سورة طه: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى))[طه:124-126

و في حق النظام الاقتصادي الصحيح قال تعالى:
(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) .

 

حسن حمدان – أبو البراء