تأملات في كتاب: من مقومات النفسية الإسلامية الحلقة الثالثة والعشرون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:
عرضنا على عليكم في الحلقتين السابقتين أنموذجين للشخصية الإسلامية، وفي هذه الحلقة والتي تليها سأعرض عليكم أنموذجا ثالثا للشخصية الإسلامية، عشت معها عن قرب، وتعلمت منها الكثير!
تلكم هي شخصية أخي وصديقي، وحبيبي ورفيق دربي في الدعوة منذ أكثر من عشر سنين، الذي كان يرافقني كظلي، وكنت أرافقه مثل ظله، لدرجة أن أحد الشباب أطلق علينا نحن الاثنان وصف “التوأم”!
وقد فارق أخي وصديقي الحياة منذ أيام قليلة، فهدني الحزن على فراقه! وأحسست أنني بفراقه فقدت كل شيء في حياتي. بل فقدت شطرا من نفسي! وساورني إحساس غريب وشعرت بأنني أعيش وحيدا، ولسان حالي يقول كما قال الشاعر والصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب الزبيدي رضي الله عنه: ذهـب الذيـن أحبهم وبقيت مثل السيف فردا.
لقد كان صديقي رحمه الله تعالى من أحب أصدقائي إلي لما جمعه من الخلال الحميدة، والسجايا والفضائل الكثيرة، فقد كان رحمه الله مثالا للصديق الوفي، حريصا على الدعوة، يعطيها جل وقته، يمضي معظم نهاره ماشيا على أقدامه، يطوف على الناس في أماكن عملهم، يزودهم بما يصدر عن الحزب، ويجلس مع من يتيسر له الجلوس معهم، يناقشهم بأفكار الحزب، ويجيب عن استفساراتهم، ويصبر على أذاهم، وكان يزور جميع الناس على اختلاف أعمالهم وثقافاتهم، فكان يزور التجار والأطباء والمحامين والمهندسين، وكان رحمه الله قوي الحجة، صادق اللهجة، طيب النية، حسن العشرة أخا لصاحبه، دقيقا في مواعيده، يطوف على المكتبات، يتابع كل جديد، ويحسن اختيار وانتقاء الكتب، ويرشد أصدقاءه وإخوانه من حاملي الدعوة إلى النافع والمفيد منها.
أيها المسلمون:
حمل أخي وصديقي، وحبيبي ورفيق دربي الدعوة بقوة، في مطلع الستينات من القرن الماضي، كان أخي وصديقي يصدع بالحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، وقد تعرض للملاحقات والاعتقال منذ بدابة حمله للدعوة مرات عديدة، فصبر واحتسب، ولم يـثنه ذلك عن حمل الدعوة، بل ازداد عزيمة وإصرارا على حملها، والتمسك بها. وضرب أروع الأمثلة في الصبر والثبات على حمل الدعوة!
سأذكر لكم جانبا من الحوار الذي دار بين صديقي والمحقق في دائرة المخابرات العامة. قال المحقق: ما قصتك مع حزب التحرير؟ قال صديقي: أقول لك كلاما من آخر ما يمكن أن يقال، فلا تتعب نفسك، وتتـعبني معك. إن الأمر في غاية البساطة أيها المحقق. كنت في ريعان شبابي أحمل الفكر الشيوعي، فلقيني شاب من شباب حزب التحرير، وأقنعني بفكره فصرت واحدا منهم! فأنا الآن عضو من أعضاء حزب التحرير، فإذا أردت مني أن أحارب حزب التحرير؛ فأقنعني أيها المحقق أن حزب التحرير على خطأ، حتى أخرج لأحارب هذا الحزب!
قال المحقق: لماذا لا تريح نفسك، وتريحنا من متابعتك ومطاردتك؟ قال صديقي: إن إيماني بأفكار حزب التحرير أيها المحقق كإيمان العجائز. هل تعرف كيف يكون إيمان العجائز ثابتا، وعصيا على التغيير، مهما يبذل من محاولات؟ إن حزب التحرير قد صار في دمي أيها المحقق، فلا تحاول إقناعي بتركه، فأنا لا، ولم، ولن أترك حمل الدعوة مع حزب التحرير ما حييت! ولن أستنكره! ولن أدلي بأية معلومة قد تضر به.
وأضاف صديقي قائلا: إن قيادة الحزب قيادة مخلصة، وواعية، وحكيمة! وأنا كنت، وما زلت، وسأبقى عضوا في حزب التحرير؛ لأنني أثق بقيادته تمام الوثوق، وإن قيادات الأنظمة القائمة حاليا في بلاد المسلمين هي قيادات خائنة، وعميلة، ومتآمرة! قال المحقق: هل أولادك في حزب التحرير؟ قال صديقي: إنني أتمنى أن يكون كل الناس في حزب التحرير! وليس أولادي فحسب. قال المحقق: أرأيت كيف أن بيتك خرب؟ فأصلح بيتك وأبناءك قبل أن تصلح بيوت الناس وأبناءهم!
أيها المسلمون:
ما رأيكم بشخصية صديقي؟ كيف وجدتم عقليته؟ وكيف وجدتم نفسيته؟ ترى هل عرفتموه؟ فلم أصرح باسمه بعد؛ كي أثير عنصر التشويق لديكم، إنني مهما تكلمت عن صديقي هذا فلن أفيه حقه، وقد كتبت هذه الحلقة، والحلقة التي تليها، وفاء ببعض حقه، واعترافا مني بفضله، رحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى من جنات النعيم، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
إخوتي الكرام:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد أحمد النادي