تأملات في كتاب من مقومات النفسية الإسلامية ح30
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو “الصبر واقعه ومدلوله” وهنا لا بد لنا من وقفة نتدبر فيها معنى الصبر؛ لإزالة الالتباس عند بعض المسلمين حول واقعه ومدلوله.
إن بعض الناس يظنون أن المرء إذا انطوى على نفسه، وانعزل عن الناس، وترك المنكر وأهله ورأى المحرمات تنتهك، وحدود الله تعطل، والجهاد يلغى، وهو لا يتخذ موقفا تجاه ذلك، بل هو مبتعد عنه، وتارك للنهي عن المنكر، بعض الناس يظن أنه بذلك يكون صابرا. أو يفهم الصبر أن يدفع الأذى عن نفسه، ويتفادى التعرض أن يناله شيء من ملاحقة أعداء الله، فلا يجرؤ على قول كلمة الحق أو العمل بما يرضي الله، بل يبقى صامتا قابعا في إحدى الزوايا، ويقول عن نفسه إنه صابر. إن هذا ليس هو الصبر الذي أعد الله لأهله جنات النعيم بقوله سبحانه وتعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. (الزمر10) بل هذا هو العجز بعينه الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه: “أعوذ بالله من العجز والكسل والجبن والبخل، والهم والحزن، وغلبة الدين، وقهر الرجال”.
إن الصبر هو أن تقول الحق، وتفعل الحق، وتتحمل الأذى في سبيل الله الناتج عن ذلك دون أن تنحرف أو تضعف أو تلين. إن الصبر هو الذي رتبه الله على التقوى بقوله سبحانه: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}. (يوسف90) إن الصبر هو الذي قرنه سبحانه بالمجاهدين بقوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}. (آل عمران 146)
إنه الصبر على الابتلاء، والصبر على القضاء، الذي يقود إلى ثبات لا إلى اهتزاز، ويقود إلى تمسك بالكتاب، لا إلى نبذه بحجة فداحة المصاب، والذي يزيد المرء التصاقا بربه لا ابتعادا عنه. قال تعالى: {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.(الأنبياء87)
إنه الصبر الذي يشحذ الهمة، ويقرب الطريق إلى الجنة، صبر بلال وخباب وآل ياسر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة”. صبر خبيب وزيد، قال خبيب: “والله لا أرضى أن يصاب محمد صلى الله عليه وسلمبشوكة، وأنا سالم بأهلي”. صبر الذين يأخذون على يد الظالم دون أن يخافوا في الله لومة لائم “كلا والله لتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعننكم كما لعنهم” أي كما لعن بني إسرائيل.
صبر الألى الغر الميامين، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، صبر أصحاب الصحيفة، ومقاطعي الشعب، ومهجري الحبشة، والملاحقين لقولهم: ربنا الله.
صبر المهاجرين والأنصار في جهادهم أهل الشرك والفرس والروم، صبر الأسرى رهط عبد الله بن أبي حذافة السهمي، صبر المجاهدين المؤمنين الصادقين.
الصبر أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، ولا تضعف أمام الأذى في سبيل الله.
الصبر أن تكون جنديا في جيش المسلمين الزاحف لقتال أعداء الله. الصبر أن تكون مصداق قوله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}. (آل عمران186) وقوله سبحانه: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}. (محمد31) ثم قوله سبحانه: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. (البقرة 157).
أيها المسلمون:
هذا هو الصبر، وهذا هو واقعه، وهذا هو مدلوله، فهلا التزمنا بهذه المفاهيم كما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليرضى عنا كما رضي عنهم، وليعزنا كما أعزهم، ولينصرنا كما نصرهم؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي