خطبة جمعة: سلاح العقيدة أقوى وأبقى من أسلحة الدمار الشامل
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صلِّ عليه وسلم وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
قال الشاعر على لسان بوش:
اليــوم أحســب أنني قد خبت في ألف وباء
وعلمت أن سلاحهم ما كان فيه الكــيمياء
بل كان فيه عقــيدة فيها مقـــام الكــبرياء
فأنا الكـبير مقامــه جعلوا ركوعي للحذاء
هكذا يصور لنا هذا الشاعر موقف ذلكم الشباب الثائر الذي أطلق جذاءه تجاه بوش ونعته بالكلب حينما كان في مؤتمر صحفي مع الرئيس العراقي نور المالكي في مطلع هذا الأسبوع، بالرغم من أن هذا الشاب يعلم أن الحذاء حتى لو أصاب بوش لن يضره كثيراً وفي نفس الوقت كان يعلم ما يلحق به هو من أذى وربما القتل جراء ما قام به من عمل، ومع ذلك قام به، ويبقى السؤال، ما هو الدافع الذي جعل ذلك الشاب العراقي المسلم يقوم بهذا العمل وهو فرد أعزل؟ وما هو السلاح الذي كان يتسلح به؟
إن الإجابة على هذا السؤال تبدو بديهية عند المسلمين المؤمنين بأن ما عند الله خير وأبقى وذلك بأن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يدرك تمام الإدراك أن الله وحده هو النافع والضار، والمحي والمميت، وهو لا يخشى إلا الله، ولا يخاف إلا من الله، ولا يتكل إلا على الله، كيف لا يكون كذلك وهو يتلو قول الله عز وجل في كتابه العزيز في وصف أهل الإيمان في مواقفهم تجاه الطغاة المتجبرين { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 173-175] , كيف لا يكون كذلك وهو يتلو قول الله عز وجل: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ } [الأنفال: 65]، وكيف لا يكون كذلك وهو يتلو قول الله عز وجل: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال:17] ، وكيف لا يكون كذلك وهو يتلو قول الله عز وجل: { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ([ البقرة: 249]، وكيف لا يكون كذلك وهو يتلو قول الله عز وجل: { وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [آل عمران: 126 ]، وكيف لا يكون كذلك وهو يتلو قول الله عز وجل: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران:169].
نعم أيها المسلمون، إن الذي يعتقد مثل هذه العقيدة لا يستطيع كائن من كان أن يقف في وجهه ويذله مهما كان عنده من أسباب القوة المادية وما فعله هذا الشاب العراقي المسلم خير شاهد على ذلك.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون: ما نزال نقف مع هذا الحدث التاريخي؛ هذا الحدث وإن حاول البعض التقليل من شأنه إلا أنه ذو دلالات عميقة يجب التوقف عندها وتدبرها وأهم هذه الدلالات أنه جاء في الوقت الذي ظنت فيه أمريكا أنها قد قضت على أكبر قوة عسكرية في بلاد المسلمين، وبسطت سيطرتها عليهم عبر قواعدها العسكرية المنتشرة في عرض بلاد المسلمين وطولها وقد أعملت فيهم ألتها العسكرية تدميراً وتقتيلاً وتشريداً، وأعملت فيهم آلتها الإعلامية إذلالاً وتخذيلاً فظنت أمريكا بذلك أن المسلمين قد خضعوا لها تماماً وأنهم لن تقوم لهم قائمة لأن جميع أسلحتهم الكيميائية تحت سيطرتها وجميع آبار نفطهم تحت يدها، وجميع أجهزة إعلامهم تبع لها، وجميع حكامهم خاضعون لها، لقد جاء بوش إلى العراق في هذه الزيارة المفاجئة ولسان حاله يقول:
فتشت كل قصورهم وجيوبهم حـــتى الدواء
وبحثت عـــنه بمائهم وحضرت انواع الغذاء
عكرت دجــلة كلها وقتلت آلاف النســاء
حتى أبيد ســلاحهم لأعيش عمـري في هناء
وسلبت منهم نفطهم وقلبت دنياهم شـــقاء
فالقوم تحــت عباءتي لحكومتي هـم أوليــــاء
إعلامــهم بوق لنــا ورجاله حضــروا اللقاء
وحـسبت أني بعدها حطمت فيهم كـــبرياء
لقد جاء بوش ظاناً أنه هو الكبير بما عنده من عتاد حربي، فلقنه هذا الشاب العراقي المسلم درساً لن ينساه أبداً، إن من الدلالات التي نستلها من هذا الحدث، أن هذه الأمة لن يستطيع أحد كائن من كان أن يقضي عليها، فسلاحها هو الأقوى والأبقى، فقد ذكرنا هذا الحدث بمواقف العز التي كان يقفها أبناء المسلمين في سابق التاريخ، يذكرنا بموقف ربعي بن عامر وإخوانه وهم يدوسون نمارق ووسائد الأكاسرة بنعالهم، يذكرنا بموقف هارون الرشيد وهو يخاطب نكفور قائد الروم قائلاً: “من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم” وغير ذلك من مواقف أهل الإيمان الصادقين الذين انتصروا على الدنيا كلها وليس معهم إلا سلاح العقيدة؛ هذا السلاح الذي لا يزال بين أيديكم أيها المسلمون محفوظاً بحفظ الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر: 9]. فأحيوا عقيدة الإسلام في نفوسكم وأرضعوها لأبنائكم والتفوا حول أحكامها، وانبذوا أحكام الكفر الوضعية، وأعملوا لإقامة الدولة التي تحقق لكم ذلك؛ دولة الإسلام التي أساسها “لا إله إلا الله محمد رسول الله” على رأسها خليفة واحد لتعودوا بذلك إلى مكانتكم الطبيعية التي اختارها لكم الله عز وجل إلا وهي، إخراج الناس من الظلمات إلى النور.