الخلافة مشروع الأمة العظيم
نحن الآن في قلب المعركة الحقيقية، بين مشروع الهيمنة الأمريكية التامة على مقدرات الأمة ومفاصل الحياة السياسية في بلاد الثورات العربية، وبين مشروع الخلافة العظيم. ومما لا شك فيه أن مسألة الخلافة الإسلامية، وعودتها مرة أخرى كنظامٍ حاكمٍ للمسلمين في العالم، هي المسألة الأكثر إثارة الآن في الوسط السياسي، وأصبحت في مرمى نيران أذناب الغرب في بلادنا، من العلمانيين والمضبوعين بالغرب الكافر.
إن جوهر مسألة الخلافة يكمن في قدرتها على لملمة شتات الأمة الإسلامية في كيان سياسي واحد، ومَنْ مِن الأمة لا يتمنى أن يكون من رعايا تلك الدولة العظيمة التي إن أُقيمت فإنها لن تحتاج سوى وقت قصير حتى تنتزع زمام المبادرة وتصبح الدولة الأولى في العالم؟ إن تاريخ هذه الأمة العظيمة حاضر بقوة في كل مفاصل حياتها فهي تراه في الآثار المنتشرة في كل بقعة من أراضيها، وهي تسمعه من خطباء المنابر كل جمعة عندما يسردون لها سيرة الخلفاء بداية من الخلفاء الراشدين ومرورًا بعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد، وصلاح الدين وقطز وبيبرس ومحمد الفاتح، والسلطان عبدالحميد، وهي لا تزال تردد كلما أصابتها فاجعة أو اعْتُدِيَ على عرضها أو دُنِّست مقدساتُها أو اغتصبت منها أرضها المقولةَ الشهيرة: “وامعتصماه”، فتحلم بخليفة كالمعتصم يردّ عنها كيد عدوها، لأن ذاكرتها ما زالت تذكر حديث نبيها “إنما الإمام جنة يُقاتَل من ورائه ويُتَّقى به”.
لقد تم الضغط بكل ما هو متاح في يد أعداء الأمة على الحركات الإسلامية لتتخلى مُرْغَمَةً عن شعار الوحدة الإسلامية الذي تمثله الخلافة الإسلامية. وخضعت معظم هذه الحركات لتلك الضغوط، واستبدلته بتلك النظرة الضيقة في إطار الدولة الوطنية التي فشلت على مدار تسعة عقود من قيامها كبديل استعماري لدولة الخلافة التي تم إسقاطها سنة 1924م على أيدي أعداء الأمة بالتعاون مع بعض الخونة من الترك والعرب.
إن استعادة دولة الخلافة الإسلامية هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للأمة الإسلامية أن تستأنف بها حياتها الإسلامية التي توقفت مع تفتت دولة الخلافة إلى تلك الكيانات الكرتونية التي صنعها الغرب الكافر على عين بصيرة، والتي لا يزال يقاتل من أجل إبقائها بمحاولاته المستميتة حرفَ تلك الثورات عن أهدافها، إذا فشل في قمعها في مهدها، بإعطائه المهل تلو المهل إلى صنائعه العميلة في بلادنا. ولذلك هو يحاول أن يجعل شعار تلك الثورات المطالَبة بالديمقراطية التي هي بضاعته المسمومة التي يروجها لنا. ذلك أن الأمة إذا تُركت فإنها ستعمل وبشكل جدي مع المخلصين من هذه الأمة الذين يحملون مشروع الخلافة العظيم كقضية مصيرية يتخذون تجاهها إجراء الحياة أو الموت، وهو ما يعني ضمنيًا تحدّيَ دول الغرب الكافر، والقيام بمحاولة جدية لإسقاط الهيمنة الغربية على العالم؛ لأن هذه الدولة لا ترضى أن تكون في ذيل الدول وهي تدرك أنها تحمل الخير للبشرية، وهي وحدها القادرة على الوقوف بقوة ضدّ هيمنة الحضارة الغربية على العالم.
وإن ما يثير حَنَقَ الغرب وحَنَقَ أبواقِه في بلادنا أن يصبح الحديث عن الخلافة هو حديث الوسط السياسي في مصر في هذه الفترة الحرجة، بعد أن ظنت تلك القوى المتآمرة أنها استطاعت أن تشوّه الخلافة في عيون أبناء المسلمين الذين لم يروا هذه الدولة وإنما نُقلت إليهم صورة مشوهة إما عن طريق المناهج الدراسية التي سهر الكافر المستعمر على وضعها في البلاد التي احتلها، أو عن طريق مَن يتحدث عنها من عملاء الغرب الفكريين الذين تصدروا المشهد الفكري والأدبي في بلادنا. فإذا بهم يرونها طموحاً يراود قطاعًا كبيرًا من الأمة وعملاً يسهر عليه حزب سياسي جعل الإسلامَ مبدَأَه واستئنافَ الحياةِ الإسلاميةِ غايتَهُ والخلافةَ طريقتَهُ لذلك. ولم تستطع أية قوة أن تجعل هذا الحزب المبدئي يتخلى عن العمل لاستعادة هذه الخلافة ولا حتى الضربات الأمنية التي وجهتها له القوى الحامية للعلمانية نيابة عن الغرب الكافر في بلادنا، وظل هذا الحزب يعمل بشكل عالمي سائراً على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ليستعيد المجد الضائع من الأمة بضياع دولتها. ولكن يُسجَّل للغرب قدرته على حرف نفرٍ من أبناءِ الحركات الإسلامية عن توجهها العالمي بحملها مشروعًا تغريبيًا يحمل في طياته أفكار الغرب ولكن في قوالب يخيَّل للرائي أنها إسلامية، وهي في حقيقة الأمر حركات إسلامية تتبنّى مشروعاً وطنياً، لا يختلفُ عما هو سائدٌ الآن، وهي تحوي بداخلها بذور المشروع التفتتي الغربي، حتى تصبح مؤهلة للقيام بدور المستعمر أو وكيل الغرب في إفساد الذوق الإسلامي عند الأمة التي تتوق لتعود من جديد زهرة الدنيا ومنارة العالمين. فليعلم كل من يراهن على الغرب ويسايره تَوَهُّمًا منه أنه هو من يملك كل الأوراق، فليعلم أن شرع الله غير قابل للتجزئة ولا للمقايضة ولا للمداهنة ولا للتنازل فإما إسلام وإما كفر، فالتمكين لدين الله لا يمكن أن يتم بمجاملة من يرفضون حكم الله ومداهنتهم ومجاراتهم.
لقد تحركت الأمة نحو مشروع الخلافة العظيم الذي أصبح الحديث عنه على كل لسان، العدو قبل الصديق، فهو الخائف منها الذي ترتعد فرائصه من رؤية دولة حقيقية للمسلمين يشع نورها في العالم بينما هو كالخفاش لا يعيش إلا في الظلام، والمسلمون يتوقون إليها ولكن كثيراً منهم لا يعرفون الطريق الصحيح الموصلً إليها. كما أصبحت هي محور دراسات استراتيجية في مراكز الفكر والقرار في بلاد الغرب الكافر.
لقد تحدث عنها هشام البسطويسي المرشح السابق للرئاسة في مصر قائلا: “إن الحديث عن الخلافة الإسلامية ينمّ عن عدم فهم للواقع الدولي والمحلي القائم، وإنه شديد الخطورة على الوطن ويصب في مصلحة إسرائيل”. وأشار أيضا إلى أن “الحديث عن هذا المشروع يحتاج لمائة عام من الآن لأنه استعادة لزمن انقضى مثل أن تفكر تركيا في إعادة الدولة العثمانية، أو أن تعيد بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وهذا الكلام أصبح لا يناسب هذا العصر ولا يجوز طرحه الآن”. كما أكد أيضا أحمد شفيق رفضه لتطبيق نظام الخلافة الإسلامية لأنها “مرفوضة من الشعب المصري” على حد تعبيره! مؤكدا أننا “لسنا في زمن الخلافة الإسلامية”. كما قال الدكتور كمال حبيب، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إن “أبو إسماعيل” المرشح المستبعد من سباق الرئاسة استطاع بخطابه أن يؤثر في عاطفة الشباب من خلال إيقاظ حلم الخلافة الإسلامية بداخلهم، فالفكرة والحلم هما سبب ضخامة ظاهرة “أبو إسماعيل” وليس الشخص في حد ذاته.
كما نشر موقع إيلاف بتاريخ 14/5 للكاتب باسل ترجمان مقالاً بعنوان “الإسلاميون والخلافة السادسة .. أي خليفة يريدون؟” وكان مما قاله فيه: “مع تراجع الاهتمام بكل قضايا الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي في الدول العربية تعاظم الاهتمام بموضوع كان غائبًا تمامًا عن الشارع العربي وتزايد الحديث عنه وكأنه الحل السحري لكل مشاكل الواقع المعاش وهو موضوع الخلافة الإسلامية الجديدة.” وعلى الصعيد المناصر للخلافة سمعنا الدكتور صفوت حجازي يقول: “إن حلم أرض الخلافة الإسلامية سيتحقق على يد محمد مرسي”، كما أكد أحمد المحلاوى الداعية الإسلامي وإمام وخطيب مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية إنه “إنما يؤيد البرنامج الانتخابي الممثل في مشروع نهضة مصر الخاص بمحمد مرسي من منطلق أنه مشروع سيعيد للمسلمين الخلافة الإسلامية”، هذا بخلاف التقرير الذي نشرته جريدة الأهرام يوم الثلاثاء 17/4 صفحة 7 بعنوان “حلم دولة الخلافة” وبدأ التحقيق بالقول “انتشرت في الأيام الأخيرة ملصقات على جدران المنازل وأسوار الكَبَارِيْ تطالب بدولة الخلافة ولا أحد يعلم من وراء هذه الملصقات”. نعم لقد أصبحت الخلافة حديث الناس وها هي بشائر النصر تلوح في الأفق وتبشر بمجد جديد للأمة الإسلامية التي تفتش عمن يحقق لها مشروع الخلافة العظيم فتعطيه قيادتها، برغم كل محاولات العلمانيين تخويف الناس من هذه الدولة واصفين إياها “بالدينية والإلهية والديكتاتورية”، وغيرها من الأوصاف المضللة الخبيثة.
{إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر