تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة التاسعة والسبعون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:
هناك أخلاق ذميمة منهي عنها, منها الكذب الذي لا زال الحديث موصولا عنه: فعن رفاعة بن رافع الزرقي الأنصاري رضي الله عنه عن أبيه عن جده: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى بالمدينة فوجد الناس يتبايعون فقال: “يا معشر التجار”. فاستجابوا له ورفعوا أبصارهم وأعناقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى وبر وصدق”. رواه الترمذي, وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وعن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن التجار هم الفجار”. قالوا: يا رسول الله, أليس الله قد أحل البيع؟ قال: “بلى، ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون”. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وأحمد، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات، وقال المنذري: بإسناد جيد.
وعن أبى ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم” قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار. قال أبو ذر: “خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟” قال: “المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب”. رواه مسلم.
روى الطبراني في المعجم الكبير عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم:”ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعة، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه”. الطبراني في الكبير, وقال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب, ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم, ورجل منع فضل ماء فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك”. رواه البخاري وأخرجه البخاري ومسلم بألفاظ أخرى. وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مر أعرابي بشاة، فقلت: “تبيعنيها بثلاثة دراهم؟ قال: لا والله، ثم باعنيها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “باع آخرته بدنياه”. هذا ويتعلق بمسألة الكذب أمران: أولهما التورية والمعاريض, وهي أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى, وتريد به معنى آخر يتناوله لكنه بخلاف الظاهر، أو أن تطلق لفظا يحتمل معنيين: أحدهما قريب والآخر بعيد، وتنوي البعيد, ويفهم السامع المعنى القريب المتبادر إلى الذهن أولا, وذلك:
كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عند البخاري قال: “اشتكى ابن لأبي طلحة قال: فمات، وأبو طلحة خارج, فلما رأت امرأته أنه قد مات, هيأت شيئا ونحته في جانب البيت, فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؟ قالت: “قد هدأت نفسه” أو “هدأ نفسه” -كما في رواية أخرى للبخاري- وأرجو أن يكون قد استراح, وظن أبو طلحة أنها صادقة, قال: فبات فلما أصبح اغتسل, فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات, فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما”. قال سفيان: فقال رجل من الأنصار: “فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن”.
وكما في حديث ابن عباس عند ابن حبان في صحيحه قال: “لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} جاءت امرأة أبي لهب، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت، قال: إنها لن تراني، فجاءت، فقالت: يا أبا بكر, إن صاحبك هجاني، قال: لا، وما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مصدق وانصرفت. فقلت: يا رسول الله، لم ترك؟ قال: لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه”.
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي