من أروقة الصحافة إردوغان يلوّح بالتدخل في شمال سوريا
لمّح رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان إلى احتمال تحرك بلاده عسكريا شمالي سوريا لمواجهة ما دعاه تهديد منظمة إرهابية تنشط هناك، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، واتهم النظام السوري بتسليم مناطق بشمالي سوريا لحزب كردي تابع لحزب العمال المناوئ لأنقرة.
وحذر إردوغان من تقسيم سوريا، وقال إنه سيؤدي إلى صراع مسلح بين أتباع المذاهب المختلفة، وقال إن الصراع المذهبي يتطور بشكل مختلف عن الصراع العرقي، وسيؤدي إلى ظهور وضع أكثر صعوبة…
حال إردوغان كحال من سكت دهرا ونطق كفرا، فبعد 17 شهرا من بدء الثورة السورية المباركة، التي رسمت بثباتها وصمودها أمام أعتى قوى الشر في التاريخ الحديث، رسمت صورة مشرقة تعيد إلى الأذهان التضحيات الجسام التي قدمها المسلمون الأولون من المهاجرين والأنصار بغية تحررهم من قيود الجاهلية وأفكار الكفر وطراز عيشه وحكمه البغيض، فكان ثوار الشام يتنسمون خطى الأبطال من تراث الإسلام العظيم.
وبعد أن ولغت الآلة العسكرية الأسدية في دماء أهل الشام الشرفاء، فقتّلت النساء والشيوخ والأطفال واستباحت الأعراض وانتهكت الحرمات وقصفت المآذن ودنست المساجد وهجّرت وعذبت، فتجاوز عدد الشهداء الثلاثين ألفا، وعدد المعتقلين المئتي ألف، وقدر عدد المهجّرين بمئات الألوف، وبالرغم من كل هذا فلم يصل الأمر بالنسبة لإردوغان إلى حد الخط الأحمر الذي ذكره قبل عام تقريبا، بل إن النظام السوري قد أسقط طائرة تركية وقصف بالمدفعية مناطق داخل تركيا نفسها ولم يحرك إردوغان ساكنا، بل صمت على ما يراه ويسمعه صمت القبور وأعظم!
إلا أن الحال اختلف بعد أن شعر حاكم تركيا بقرب سقوط طاغية الشام، وما إن فرت عصابات الأسد من المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، وأصبحت الحدود البرية خارج نطاق سيطرة عصابات الأسد، حتى أعلن إردوغان إغلاق الحدود من الجهة التركية ونشر صواريخ الأرض جو، بل وتعدى الأمر لتلميحه بتدخل عسكري في شمال سوريا، وسواء أكان التلميح رسالة إلى بشار ليعيد فرض سيطرته على تلك المناطق إن استطاع، ومنع انتشار حزب العمال الكردستاني الذي استلم بعض المناطق في شمال سوريا بترتيب من بشار أسد كما ادعى إردوغان، أم كان التلميح رسالةً إلى الثوار بعدم المضي قدما في الاستيلاء على مناطق أخرى في شمال سوريا وإنشاء واقع جغرافي جديد يتسم بالتحرر من نفوذ النظام الأسدي، فإنه في كلتا الحالتين يهدد بالتدخل لنصرة النظام الحاكم بحجة محاربة حزب العمال.
إن هذا الأمر يدل على مدى تبعية إردوغان وخنوعه للسياسة الأمريكية وتواطئه مع نظام الأسد، حيث إنه ومنذ بدء الثورة لم يتزحزح قيد أنملة عن تسويق الحل الأمريكي، لدرجة أنه وحكومته أصبحوا كالببغاوات يكررون ما تقوله الإدارة الأمريكية تباعا. واتضح بأن القرار السياسي في أنقرة ليس بيده، بل إنه مسلوب الإرادة، فأمريكا هي من أوصلته وحزبه إلى الحكم، كما أوصلت عميلها المقبور حافظ أسد وابنه الأرعن من بعده، وهي صاحبة القرار وتدبر الأمر بطريقة تحقق لها مصالحها وتضمن لها بقاء نفوذها، وهي تحرك الحكام العملاء كأحجار الشطرنج، تأمرهم وتنهاهم وهم لها كالعبيد.
إن التخويف من الصراع المذهبي والحرب الطائفية وتأجيج الفتن، هو أسلوب تتخذه أمريكا وعملاؤها لمنع تحرر الشام من طاغيتها وطاغوتها، فتوحي لعملائها المحليين والإقليميين وأدواتها الاستعمارية كمجلس الأمن والجامعة العربية ليبثوا في الناس التثبيط عن التحرر خوفا مما قد يسفر عنه من فتن وحروب، بالرغم من أن حقيقة الأمر هي عكس ذلك تماما.
إن المؤامرات التي تحاك لثورة الشام قد أصبحت كقطع الليل المظلم، حتى وصل الأمر لتكون قضية سوريا أهم قضايا العصر، وكأن التاريخ قد توقف في الشام، ويكأنّ النظام العالمي يقف على أعتاب مرحلة أخرى تنتظر ما سيؤول إليه الأمر في الشام.
فما أعظمك يا ثورة الشام… ما أعظم ثورة الشام، إنها وبحق ثورة على النظام العالمي الظالم المستبد، ثورة ستخرج العالم من ضنك الرأسمالية إلى سعة الإسلام وعدله، فهنيئا لكم يا أهل الشام على ما حباكم الله به.
كتبه: أبو باسل – بيت المقدس