Take a fresh look at your lifestyle.

الأولمبيات ورمضان والقرآن (مترجم)  

لنتصور المشهد الآتي، أحمد يوجه ضربة قوية الى رأس محمد ثم يتبعها بلكمة جانبية، فيتراجع محمد في محاولة منه لاستعادة قوته من جديد حيث أنه لا يريدتضييع المدالية الذهبية.

 

رغم أننا في شهر رمضان حيث تزاد فيه مشاعر الأخوة، إلا أنها تختفي في مثل هذه المباريات الشرسة، فيصبح هم الشخص نفسه ووطنه مهما كان الثمن، حتى وإن كان عبر التصفيات النهائية للملاكمة في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 في لندن، فيكون أحمد يمثل المغرب مثلا في حين محمد يمثل مصر.

 

هذه الألعاب الأولومية يشارك فيها الكثير من بلدان العالم الإسلامي مثل السعودية، والأردن، وإندونيسيا, وباكستان، وبنغلادش، كلهم متناسين مشاكل البطالة والفقر وغيرها الكثير التي تواجه بلدانهم. فصار همهم الوحيد الآن هو الوصول إلى القمة في دورة الألعاب هذه، متجاهلين ما إذا كان يجوز للمشاركين المسلمين الموجودين في لندن  الإفطار في رمضان خلال هذه الدورة كما أفتى أحد المشايخ بذلك قبل حين.

 

إن مشاركة بلدان العالم الإسلامي في دورة الألعاب الأولمبية يثير العديد من القضايا القومية. في نفس الحين، يردنا حديث رواه أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية”، فقد جاء الإسلام ليبين أنه لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، بغض النظر عن أصله أو لونه أو مكان ولادته، فجاء ليحرم المفاهيم الغريبة المستوردة مثل الوطنية والقبلية الآخذة بالانحسار في المجتمعات الإسلامية .

 

إن هذه الألعاب الأولومبية تستخدم لتأجبج المشاعر القومية حيث تُرفع فيها الاعلام الوطنية ويقوم الحكام بتقديم الهدايا الفخمة والثناء لأولئك الذين (جعلوا الامة تفتخر) كما يدعون من خلال الفوز بالميدليات والأوسمة. اننا جميعا نصوم في شهر واحد ونعبد ربا واحدا ونتجه لنفس القبلة، وفجأة يتم إخبارنا بأننا سعوديون أو باكستانيون أو كويتيون أو إندنيسيون أو غيره من تسميات، فيُفرق الأخ عن أخيه في حدود رسمتها قوى الاستعمار.

 

وبالإضافة إلى كون القومية محرمة، فإنها تحْرِمُنا كذلك من معالجة مشاكلنا باستخدام الطاقة البشرية والموارد التي حبانا الله بها، لكننا الآن نرى أفغانستان مثلا تواجه المحتلين من أمريكا وبريطانيا لوحدها دون أي مساعدة من جيرانها المسلمين.

 

وعلى الرغم من أن العديد من بلدان العالم الإسلامي تواجه الفقر المدقع، وكثير منها يُمارس عليهم الظلم كما هو الحال في بورما، والكثير يموتون جوعا كما في كالصومال بالرغم من وفرة الثروات بجانبهم في دول الخليج، الآن يسود القمع في سوريا، فعلى الرغم من المشاكل هذه وغيرها التي تواجهها بلداننا؛ يتم التركيز على دورة الألعاب الأولمبية وعلى خلق النجوم الرياضية التي من شأنها أن تجعل (البلاد فخورة) كما يدعون، والمشاكل التي تعيشها هذه البلاد لا تزال قائمة، والاسوأ من ذلك أنه يتم إهدار الوقت والجهد وحرف الأنظار إلى متابعة الأخبار الرياضية في بلاد بعيدة.

 

إن الرياضة والتي لها فوائد كثيرة صحية وترفيهية للبشر يتم تحويلها إلى أحداث تجارية تستثمر في العالم أجمع عبر الألعاب الأولمبية وكرة القدم وغيرها من الرياضات. مع ان الله سبحانه وتعالى يحذرنا في سورة التكاثر من الانحراف عن طاعته وعن العمل للآخرة، ويذكرنا بقصر الحياة الدنيا ويحذرنا من تضييعها في مثل هذه التفاهات كدورة الألعاب الأولمبية.

 

فما هي طموحات وتطلعات لاعب الأولمبيات؟ أليفوز بالجري على هذا أو ذاك!

 

نعم، هذه هي الطموحات التي يحاولون ترويجها لبعض شباب المسلمين في كثير من بلدان العالم الإسلامي ،حتى أن بعض هذه الطموحات الهدامة تمتد لتؤثر في حكام بلادنا بشكل آخر فتجدهم منغمسين في بناء الصروح الكبرى وكأن هذا هو الدليل الوحيد على نجاح الشعوب. فنرى دبي قد بنت أطول برج في العالم وبنت السعودية في مكة أكبر ساعة في العالم. ولكن عندما يتم مناقشة الأزمات العالمية وعلاج الملاريا وتصنيع الأدوية وحل مشاكل الفقر بشكل عالمي لا تُذكر هذه الدول ولا يتحدث أحد عن دبي ولا عن السعودية ولا عن مصر، فبالعكس نرى أن شعوبنا تتطلع إلى الدول الغربية لإيجاد الحلول لمشاكلهم.

 

أما في ظل نظام الخلافة، كانت الأمة رائدة في مجال العلم والتكنولوجيا، وعاش الجميع في وئام مع تعدد الأصول والأديان، الأمر الذي عجزت عن إيجاده حضارة الغرب المتقدمة. وفي ظل الخلافة كانت آمال المسلمين مُستمدة من كتاب الله الذي جعلهم محط أنظار العالم في حل مشاكلهم وجعلهم مجتمعا نموذجبا يسعى لتحقيق هدفه وهو حمل الإسلام للبشرية جمعاء.

 

إن الألعاب الأولومبية الحقيقية هي ليست تلك التى نسمع ونشاهد اليوم، بل الألعاب الحقيقية هي التي بين حضارات الشعوب، ألا وهي المنافسة الحقيقية التي ثؤثر على حياة الناس اليومية، وهذا هو السباق العالمي الذي يجب التركيز عليه. فالأمة الإسلامية والتي جُعل لها القران هاديا، غائبةٌ إلى حد كبير من هذا السباق العالمي، وذلك لأن الدولة الإسلامية التي تطبق الحلول الإسلامية لمشاكل المجتمعات هي غائبةٌ أيضا عن العالم، ولهذا قلدت مجتمعاتنا النظام الرأسمالي في المجال الاقتصادي واستوردت الديمقراطية كنظام حكم لها واستوردت غيرها من القيم الغربية العلمانية.

 

إن الغرب قد سيطر على كل وسائل الإعلام العالمية ،واستخدم سياسته وجيوشه ومؤسساته العالميةَ لتحقيق هذا الهدف، وهذا ما أبقي الباب مفتوحا أمام شعوب العالم الغربي العلماني للترويج لقيمهم ونظمهم ورذائلهم التي جعلت الملايين يعانون من آثاره، فأصبح العالم يعيش في فقر مع وجود الوفرة الكثيرة حيث سيطرت نخب قليلة للحفاظ على مصالح الشركات.

 

ألم يأن للمسلمين أن يدركوا مسؤلياتهم التي كلفهم الله سبحانه بها، فينبذوا النظام الديمقراطي الذي يسوده الظلم ويعملو لإعادة الحياة الإسلامية بإعادة دولة الإسلام لتقديم رؤية بديلة للحياة البشرية، ولإنقاذ الملايين من ظلم الرأسمالية والعالمانية؟

 

قال تعالى ” الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ” ، سورة ابراهيم

 

 

تاجي مصطفى

الممثل الاعلامي لحزب التحرير في بريطانيا