معالم الإيمان المستنير من أسماء الله الحسنى الحكيم ج1
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحكيم: اسم من أسماء الله الحسنى، والحكيم: هو ذو الحكمة البالغة، وكمال العلم، وإحسان العمل. والحكيم: صيغة تعظيم لذي الحكمة، فيكون معنى قولنا: “الله الحكيم: أي العظيم في حكمته. وقيل: إن الحكمة هي العلم مع العمل والعدل، وقيل: إن الحكمة مجموعة معان من العدل والتنظيم والتقويم والعلم. قال تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب). (البقرة 269)
والحكمة تطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان لتلجمه حتى يتحكم فيه راكبه، ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد، يحتاج إلى ترويض، وقطعة الحديد التي توضع في فمه تعلمه كيف يكون محكوما من صاحبه. وكان الحصان معروفا في الجزيرة العربية، وكان رمزا للسرعة والخفة. وكأن إطلاق صفة “الحكيم” على الخالق إنما ليحكم المخلوقات، ويلجمها من السفه والطيش. ليصير الكون محكوما بالله الحكيم العليم الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده.
من صور الحكيم العليم:
علم الله آدم الأسماء كلها ولم يعلمها الملائكة؛ لأنهم غير مستخلفين في الأرض، وإنما أوجدهم الله لأجل مهمات أخر، أما الإنسان فقد علمه الله الأسماء، ومنحه الطاقة ليعمل بعقله وجهده، ويستكشف آيات الكون على قدر حاجته في العصر الذي يوجد فيه، ويطبق شرع الله في الأرض.
شرع الله الأحكام لحكم يعلمها هو سبحانه، منها:
أولا: شرع الله الصلاة لتنهى عن فعل ما حرم سبحانه، قال تعالى: ]وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر). (العنكبوت 45).
والحكمة من الأحكام الشرعية يجب أن تأتي منصوصا عليها بنص شرعي، من القرآن أو من السنة, فالحكمة من الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر, وهذه الحكمة نص عليها القرآن, ويمكن أن تتحقق أو لا تتحقق, فالذي يصلي ويشرب الخمر مثلا لم تتحقق فيه الحكمة من الصلاة, فلم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر.
ثانيا: وشرع الصوم لأجل التقوى، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). (البقرة 183)
ثالثا: وشرع قتال الكفار حتى لا يسلطوا على المؤمنين ويردوهم عن دينهم، وليكون الدين لله، قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للـه فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين). (البقرة 193)
رابعا: وشرع الزواج لأجل غض البصر وحفظ الفرج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”. (البخاري5121)
خامسا: وقد خلق الله الناس ذكورا وإناثا، وجعلهم شعوبا وقبائل لأجل أن يتعارفوا، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم إن اللـه عليم خبير). (الحجرات 13)
سادسا: والله تعالى يخلق قلة من الناس خلقا غير سوي، وهم أصحاب الحاجات الخاصة، ليلفت نظرنا إلى حسن وجمال خلقه، وليلفت نظر الغافلين عن نعم الله عليهم لوجودها فيهم, وفقدها في غيرهم، فساعة أن يرى مبصر مكفوفا يسير بعصا, يفطن إلى نعمة البصر التي وهبها الله له، ويحمده عليها. وهكذا تعرف نعمة الجمال بالقبح، ونعمة الصحة بالمرض. ولا يغفل الله عن صاحب العاهة أو العجز بل يعوضه شيئا آخر, سواء أكان ذلك بالعبقرية أو غيرها، فإن كان أعمى جعل الله له من العبقرية ما يهزم الإنسان السليم.
سابعا: جعل الله العقوبات الحدود والتعزير والقصاص لردع المعتدين والفاسقين، وحفظا لأعراض الناس وأموالهم ودمائهم. فالقصاص جعله الله حياة للناس، قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون). (البقرة 179)
ثامنا: التصوير في الأرحام، قال تعالى: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إلـه إلا هو العزيز الحكيم). (آل عمران 6) الله لا إله إلا هو العزيز لا يغلبه أحد على أمره، فهو يخلق ما يشاء، والحكيم في كل أمر أراده، وفي ذلك تنبيه للناس أن لا يفصلوا الحدث عن حكمته. فالله يصور في الأرحام كيف يشاء من الصور المختلفة المتفاوتة، ويهيئ النفس التي خلقها ليجعلها تنسجم مع سنن الوجود كله. نحمد الله الحكيم الذي خلقنا في أحسن تقويم، وصورنا فأحسن التصوير، ونسأله أن يوفقنا لخدمة الإسلام والمسلمين.
أيها المؤمنون :
نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.