Take a fresh look at your lifestyle.

الثورةُ وأخذ النصرة ج2

 

ماهية الثورة :

ربما تحدث الثورة بالقوة المادية وربما تحدث بالعمل السلمي، فاستخدام القوة ليس شرطا فيها كما هو ملاحظ في الواقع. وإنما المسألة هي حدوث انقلاب على النظام القائم للإتيان بنظام مغاير يؤمل منه أن يحدث نتائج أفضل. ولكن ربما تأتي الحركة الانقلابية بنظام أسوأ من سابقه أو أن تأتي بنظام يساويه في السوء، ولكن تعتبر ثورة حسب التعريف. وسبب ذلك عدم اهتداء الناس لنظام أفضل أو عدم اهتدائهم للنظام الأحسن والأفضل، أو للمؤامرة على الثورة والتحايل عليها أو سرقتها كما يقال، وخاصة من قبل رجال النظام السابق أو من قبل أعوانهم.

اشتعال الثورة :

يلاحظ على الثورات أنها تبدأ بحركات احتجاجية من قبل الناس بسبب أوضاع سيئة ألمَّت بهم من قبل النظام القائم. فيبدأ الناس يطالبون بتغيير هذه الأوضاع وتحسين أحوالهم، وإذا لم يلبِّ النظام مطالب الناس فإن الحركة الاحتجاجية متعددة الأشكال لن تهدأ بل ستزداد وستتفاقم الأمور عليه حتى تقوضه أو تسقطه. ومن الحماقة لجوء النظام إلى البطش والقوة لإخماد هذه الحركات أو لسحقها من دون أن يعالج الأمر بشكل جدي أو جذري. لأن النظام قائم على رعاية شؤون الناس فهو موجود لهم ولخدمتهم فلماذا يقوم بسحقهم؟! بل يجب عليه أن يعالج الأمر، فإذا كانت مطالب الناس تتعلق بحقوقهم وبخدمتهم فيجب عليه أن يلبيها لهم، وعدم تلبيتها ظلم وجريمة. وإذا ما حدث تغير في مفاهيم الناس وقناعاتهم ومقاييسهم وجب على النظام أن يقوم بعملية فكرية عميقة وجذرية وأن يخوض صراعا فكريا مع الأفكار الجديدة أو الدخيلة. وحصول مثل ذلك يدل على أن الفكر القادم أقوى من الفكر القائم عليه النظام، أو أن النظام يعيش في غفلة ولم يقدر الوضع، أو أنه لم يقدّر عاقبة دخول تلك الأفكار فيعالجها من البداية بشكل فكري، أو أنه لا يملك القدرة على مواجهة هذه الأفكار الجديدة أو الدخيلة لأسباب متعددة. والناس إذا ما أصروا على مطالبهم وبدأوا يقدمون التضحيات وقد كسروا حاجز الخوف من بطش النظام فسرعان ما تتحول الحركات الاحتجاجية إلى ثورة تستهدف إسقاط النظام. لقد حصلت في مصر سابقا حركات احتجاجية عدة، ولكن كانت تتوقف بعدما يقوم النظام ويسحقها كما حصل عام 1977. ولكنها لم تستهدف إسقاط النظام كما حصل مؤخرا. فما حصل في الحركة الاحتجاجية الأخيرة هو أن الناس بدأوا يطالبون بإسقاط النظام؛ لأنهم أدركوا أن سبب مشاكلهم هو النظام، وهذا تطور نوعي يدل على زيادة في الوعي والإدراك لدى الناس عما كان في السبعينات من القرن الماضي. وإن لم يتحقق بعدُ إسقاط النظام وقد أسقطت بعض أجزائه لعدم اكتمال الوعي فإن الثورة ما زالت قائمة وتحتاج إلى إنضاج أي إلى التوعية التامة. وينطبق الحال على تونس وعلى غيرها… وهذا ما نلاحظه على الحركات التي تتصدر قيادة الناس وتعبر عن فكرهم وعن مشاعرهم؛ فنرى أن الوعي لم يكتمل لديها، فلم يتبلور لديهم النظام البديل، والبعض منهم لم تتجلى لديه الإرادة المصممة أو الصادقة والشجاعة الكاملة للتحدي رغم إدراكهم بشكل عام للنظام البديل وهو الإسلام. ولكن نستطيع أن نعتبرها مرحلة من مراحل الثورة نحو إحداث تغيير جذري وذلك عندما يتبلور لدى الناس النظام البديل وتوجد لديهم القناعة التامة به والإرادة الصادقة والشجاعة الكاملة لإقامته ويثقون بالمخلصين على أنهم قادة وقادرون على إدارة شؤونهم على أحسن وجه. فاستعداد الناس للتضحية من أجل التغيير بل قيامهم بذلك يعتبر نجاحا لا يستهان به ولا يجوز التقليل من قيمته، وخاصة عندما نعلم أن الثورات لا تحقق أهدافها بسرعة بل ربما تستمر سنين كما سنرى عندما نستعرض بعض الثورات.


الفرق بين الثورة والجهاد :

إن لدينا مفاهيم معينة تضبط كل حالة لوحدها؛ فدفاع المسلمين عن بلادهم ضد الغزاة أو ضد المحتلين للبلد ومقاومتهم والعمل على إخراجهم لا يسمى ثورة عندنا بل هو جهاد، فمن الخطأ أن يقال الثورة الجزائرية بل الجهاد في الجزائر ولكن الكفار وعملاءهم تعمدوا هذه التسمية لإبعاد الأنظار عن المفهوم الإسلامي الذي يعني طرد المحتلين من البلاد وتطهيرها منهم ومن آثارهم ودنسهم والدفاع عن بيضة الإسلام حتى تعود عليه سيادة الإسلام ويعود السلطان لأهل البلد المسلمين.

فالجزائر كانت تحكم بالإسلام فكان نظامها إسلاميا وسلطانها كان بيد المسلمين، فجاء المستعمر وأراد أن يزيل حكم الإسلام عنها ويفرض عليها نظامه الرأسمالي الديمقراطي الذي يستند إلى العلمانية أو اللائكية ويبسط سلطانه ونفوذه عليها. فهب الناس مجاهدين لإخراج هذا المستعمر والعودة إلى نظامهم الإسلامي. ولكن المستعمر الخبيث عرف كيف يفعل فأتى بعملاء له خاصة من الذين تشبعوا بثقافته وحولوا الجهاد إلى حركة وطنية ومن ثم سلمهم المستعمرُ الحكمَ عند خروجه ليحكموا البلد حسب النظام الذي وضعه لهم. وما زالوا يحكمون البلاد بهذا النظام الغربي. فالفرنسيون احتلوا البلد وفرضوا نظامهم وثقافتهم بالقوة وأبعدوا النظام الإسلامي واستبدلوا به نظامهم العفن الذي ما زال يشيع الفساد والخراب والانحلال وكل ما هو سيئ في البلد. فإذا قام أهل الجزائر وثاروا على هذا النظام وقلبوه واستبدلوا به نظام الإسلام نقول قد حدثت ثورة في البلد فعندئذ يأتون بالخير. فعندما يستلم قيادة الشعب أناس من عملاء الاستعمار تشبعوا بثقافة المستعمر حتى إذا خرج هذا المستعمر بقوته المسلحة يبقى بقواه الأخرى من أشكال الهيمنة الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية وذلك عن طريق حشد من العملاء في هذه المجالات الذين استطاع أن يكسبهم. وهذا ينطبق على كل بلد إسلامي حصل فيه جهاد ضد المحتلين ابتداء من تركيا حيث كان الناس يجاهدون بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله لطرد المحتلين الإنجليز والفرنسيين واليونانيين بأمر من الخليفة للحفاظ على نظام الإسلام وأمان المسلمين، فقام أتاتورك بخيانة الخليفة الذي أرسله لهذا الغرض وتعاون مع الإنجليز ليهدم الخلافة ويسقط نظام الإسلام ويستبدل به النظام الغربي الكافر، وقام بانقلابات سميت باسمه في كل مجالات الحياة من نظام الحكم إلى أدنى شيء في المجتمع حتى وصل إلى تغيير في اللغة وتغيير أسماء العائلة والألقاب واللباس. وعمل على القضاء على كل ما له أثر من الإسلام في البلد واستبدال النظام الغربي الكافر به بمساعدة الكفار المستعمرين فكان ذلك مخالفا لما يريده الناس بل ثاروا ضده فسحقهم، فلا يعتبر عمل أتاتورك ثورة وإنما هو خيانة وتعامل مع المستعمرين وتلبية لمطالبهم وضد مطالب الشعب وضد إرادته. فحركته ليست ثورية، فلم تنبع من رغبة الشعب، وإنما هي قلب للنظام الذي ارتضاه الشعب ولم يقبل به بديلا، وأتى بنظام مغاير له فأتى بكل ما هو سيئ فأرجع تركيا إلى الوراء وجعلها بلدا تابعا للمستعمر بعدما كانت أعظم دولة في العالم هي والبلاد الإسلامية الأخرى، وأفسد حياة المجتمع إلى أبعد الحدود. وعندما احتل الإنجليز فلسطين وجاءوا باليهود وركزوا وجودهم فيها حتى تمكنوا من إقامة دولة أعلن ما سمي بالثورة الفلسطينية وأبعد مفهوم الجهاد وصبغت بالصبغة الوطنية والعلمانية لتقوم بما يريده المستعمر من القبول بكيان يهود إلى العمل على حمايته إلى تأسيس نظام مستورد من الغرب على شاكلة الدول العربية بعيدا عن الإسلام. وذلك في خطة خبيثة من المستعمرين الذين أوعزوا إلى عملائهم لتأسيس هذه المنظمات حتى تخدع الناس وتقبل بمشاريع المستعمرين. وفي الحرب ضد الاتحاد السوفياتي قبل الغرب بأن تسمى جهادا ويسمى المقاتلون مجاهدين وذلك لشحذ همم المسلمين في العالم أجمع واستغلالهم لقتال السوفيات حتى تتحقق مآرب أمريكا والغرب بهزيمة الاتحاد السوفياتي والشيوعية على يد المسلمين. ولكن الغربيين الآن يصفون الجهاد ضدهم بأنه حرب إرهابية والمجاهدين بأنهم إرهابيون. فنلاحط أن مفهوم الثورة ضد المحتل يعمل على صبغه بالطابع القومي أو الوطني مع صبغة علمانية.

 

 

بقلم: أسعد منصور

 

يتبع….. في الجزء الثالث