Take a fresh look at your lifestyle.

  تيسير الوصول إلى طريق الرسول ص – ابتلاء حملة الدعوة ج1     ح 15

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعه وسار على دربه, واهتدى بهديه, واستن بسنته, ودعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين, واجعلنا معهم واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم لا سهل إلا َّ ما جعلته سهلا , وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلا . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

 

ربِّ اشرح لي صدري, ويسِّر لي أمري, واحلل عقدة من لساني, يفقهوا قولي.

 

إخوتناا في الله, أحبتنا الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير, أحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد: نلتقي بحضراتكم على أثير إذاعتنا المحبوبة, لنعيش وإياكم في أجواء السيرة النبوية العطرة, من خلال الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة حلقات تيسير الوصول, إلى سبيل الرسول صلى الله عليه و سلم في حمل الدعوة وإقامة الدولة, وتبليغ رسالة الإسلام للناس كافة.

 

أحبتنا الكرام: كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة عن حتمية نصر الله تعالى لحملة دعوته, وسقنا لتأييد ذلك عددًا من الآيات الكريمة, وبعضًا من الأحاديث النبوية الشريفة.

 

أحبتنا الكرام: إنَّ نصر الله سبحانه لعباده المؤمنين متحقق لا محالة, وهو حتمي الوقوع إن عاجلاً وإن آجلا ً, لكن ذلك يتطلب من المسلمين عمومًا, ومن   حملة الدعوة على وجه الخصوص أن يكونوا كما أرادهم الله مؤمنين حقـًا ليتحقق فيهم قول الله تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}الروم47

 

أحبتنا الكرام, مستمعينا الأعزاء: ولبيان حقيقة الإيمان نعيش وإياكم في ظلال الآيات الثلاث عشرة الأولى من سورة العنكبوت.

 

 قال تعالى:

 

4

بسم الله الرحمن الرحيم

الم  (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4) مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ  (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ  (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)  صدق الله العظيم.

 

هذه الآيات الكريمة من سورة العنكبوت تبدأ بعد الحروف المقطعة بالحديث عن الإيمان, والفتنة, وعن تكاليف الإيمان الحق التي تكشف عن معدنه في النفوس, فليس الإيمان كلمة تقال باللسان, إنما هو الصبر على المكاره والتكاليف, في طريق الكلمة المحفوفة بالمكارة والتكاليف.

 

ويكاد هذا أن يكون محور السورة وموضوعها. فإنَّ سياقها يمضي بعد ذلك المطلع يستعرض قصص بعض الأنبياء استعراضًا سريعًا يصور ألوانـًا من العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان على امتداد الأجيال.

 

ثمَّ يعقــِّـب على هذا القصص وما تكشـَّـف فيه من قوى مرصودة في وجه الحق والهدى, بالتصغير من قيمة هذه القوى, والتهوين من شأنها, وقد أخذها الله جميعًا.

 

قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }العنكبوت40

 

وضرب الله تعالى لهذه القوى كلها مثلا ً مصورًا يجسم وهنها وتفاهتها

قال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (العنكبوت)

أحبتنا الكرام: ويختم السياق السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم على الحق.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)

 

 فيلتئم الختام مع المطلع, وتتضح حكمة السياق في السورة, وتتماسك حلقاتها بين المطلع والختام حول محورها الأول وموضوعها الأصيل, موضوع الإيمان, ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور في ثلاثة أشواط:

 

الشوط الأول: يتناول حقيقة الإيمان وسنة الابتلاء والفتنة ومصير المؤمنين والكافرين, ثمَّ فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد شيئـًا يوم القيامة.

              

 الشوط الثاني: يتناول القصص القرآني وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات, والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة الله.

 

الشوط الثالث: يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا َّ بالحسنى, إلا َّ الذين ظلموا منهم, ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله.

 

 

أحبتنا الكرام: تبدأ السورة بالحروف المقطعة (الم) التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أنها مادة الكتاب الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه و سلم مؤلفـًا من مثل هذه الحروف المألوفة للقوم الميسرة لهم ليؤلفوا منها ما يشاءون من القول, ولكنهم لا يملكون  أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله, لا من صنع الإنسان. وإنَّ السور التي صدرت بهذه الحروف تتضمن حديثـًا عن القرآن إمَّا مباشرة بعد هذه الحروف, وإمَّا في ثنايا السورة كما هو الحال في سورة العنكبوت فقد ورد فيها ذكر الكتاب ثلاث مرات, منها قول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ)

وبعد هذا الافتتاح يبدأ الحديث عن الإيمان, والفتنة التي يتعرض لها المؤمنون لتحقيق هذا الإيمان وكشف الصادقين والكاذبين بالفتنة والابتلاء.

 

الإيقاع الأول: يساق الإيقاع الأول منها في سورة استفهام استنكاري لمفهوم الناس للإيمان وحسبانهم أنه كلمة تقال باللسان. قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4) )

 

إنَّ الإيمان ليس كلمة تقال, إنما هو حقيقة ذات تكاليف, وأمانة ذات أعباء, وجهاد يحتاج إلى صبر, وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا, وهم لا يتركون لهذه الدعوى, حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها, ويخرجوا منها صافية عناصرهم, خالصة قلوبهم, كما تفتن النار الذهب, لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به.

 

وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب! هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت, وسنة جارية في ميزان الله سبحانه, قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}

 والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء, ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع, ما هو مكشوف لعلم الله, مغيب عن علم  البشر, فيحاسّبُ الناس إذا ً على ما يقع من عملهم, لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم. وهو فضل من الله من جانب … وعدلٌ من جانب … وتربية للناس من جانب … فلا يأخذوا أحدًا إلا َّ بما استعلن من أمره, وبما حققه فعله, فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه.

 

 ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون, وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم, ويعلم الكاذبين.

 

إنَّ الإيمان أمانة الله في الأرض, لا يحملها إلا َّ من هم لها أهل, وفيهم على حملها قدرة, وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص, وإلا َّ الذين يؤثرونها على الراحة والدعة, وعلى الأمن والسلامة, وعلى المتاع والإغراء.

 

وإنها لأمانة الخلافة  في الأرض, وقيادة الناس إلى طريق الله, وتحقيق كلمته في عالم الحياة, فهي أمانة ثقيلة, وهي أمر الله يضطلع بها الناس, ومن ثمَّ تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء.

 

        ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله, ثمَّ لا يجد النصير الذي يسانده, ويدفع عنه, ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة, ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان. وهذه الصورة البارزة للفتنة المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة, ولكنها ليست أعنف صور الفتنة, فهناك فتن كثيرة في صور شتى ربما كانت أمرَّ وأدهى.

 

وهناك فتنة الأهل والأحبة الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه, وهو لا يملك عنهم دفعًا, وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم, وينادونه باسم الحب والقرابة, واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك, وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير. قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  (8)}

 

وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين, ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين تهتف لهم الدنيا, وتصفق لهم الجماهير, وتتحطم في طريقهم العوائق, وتصاغ لهم الأمجاد, وتصفو لهم الحياة, وهو مهمل منكر, لا يحسُّ به أحد, ولا يحامي عنه أحد, ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا َّ القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئـًا.

 

وهناك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله, وكل من حوله غارقــًا في تيار الضلالة, وهو وحده موحش غريب طريد.

 

وهناك فتنة من نوع آخر نراها بارزة هذه الأيام, فتنة أن يجد المؤمن أممًا ودولا ً غارقة في الرذيلة, وهي مع ذلك راقية ماديًا في مجتمعها, متحضرة في حياتها, يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان, ويجدها قوية, وهي مشاققة لله تعالى.

 

وهناك الفتنة الكبرى, أكبر من هذا كله وأعنف, فتنة النفس والشهوة, وجاذبية الأرض, وثقلة اللحم والدم, والرغبة في المتاع والسلطان, أو في الدعة والاطمئنان, وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان, والاستواء على مرتقاه مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس, وفي ملابسات الحياة, وفي منطق البيئة, وفي تصورات أهل الزمان.

 

أحبتنا في الله: فإذا طال الأمد, وأبطأ نصر الله كانت الفتنة أشد وأقسى, وكان الابتلاء أشدَّ وأعنف, ولم يثبت إلا َّ من عصم الله, وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان, ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى, أمانة السماء في الأرض, وأمانة الله في ضمير الإنسان. وما الله ـ حاشا الله ـ أن يعذب المؤمنين بالابتلاء, وأن يؤذيهم بالفتنة, ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة, فهي في حاجة لإعداد خاص لا يتمُّ إلا َّ بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات, وإلا َّ بالصبر الحقيقي على الآلام, وإلا َّ بالثقة الحقيقية في نصر الله, أو في ثوابه على الرغم من  طول الفتنة,  وشدة الابتلاء.

 

والفتن تصهرها الشدائد, فتنفي عنها الخبث, وتستجيش كامن قواها المذخورة, فتستيقظ وتتجمع, وتطرقها بعنف وبشدة, فيشتد عودها, ويَصلب ويُصقل, وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات, فلا يبقى صامدًا إلا َّ أصلبها عودًا, وأقواها طبيعة, وأشدها اتصالا ً بالله, وثقة بما عنده من الحسنيين: النصر أو الشهادة.

 

وهؤلاء هم الذين يسلمون الراية في النهاية, مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار. وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدَّوا لها من غالي الثمن, وبما بذلوا لها من الصبر على المحن, وبما  ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات.

 

 والذي يبذل من دمه وأعصابه, ومن راحته واطمئنانه, ومن رغائبه ولذاته, ثمَّ يصبر على الأذى والحرمان, يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه الضحيات والآلام.

 

فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية, فأمر تكفل به وعد الله, وما يشك مؤمن في وعد الله, فإن أبطأ فلحكمة مقدرة, فيها الخير للإيمان وأهله, وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله.

وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة, ويقع عليهم البلاء أن يكونوا هم المختارين من الله, ليكونوا أمناء على حق الله, وأن يشهد الله لهم بأنَّ في دينهم صلابة, فهو يختارهم للابتلاء.

 

روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (أشد الناس بلاءً الأنبياء, ثمَّ الصالحون, ثمَّ الأمثل فالأمثل, يبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء, وإن كان في دينه رقة خفف عنه, وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة).

 

أحبتنا الكرام:  نكتفي بهذا القدر وإلى أن نلتقي معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله، نستودع الله  دينكم وإيمانكم وخواتيم أعمالكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.