Take a fresh look at your lifestyle.

أسباب إخفاق أمريكا في سوريا

 

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وآله وصحبه ومن والاه. أما بعد: من المعلوم أن النظام السوري مثل باقي الأنظمة في بلاد المسلمين, جاء بها الكافر المستعمر في فترة كان يمر بها العالم الإسلامي بانقلابات عسكرية للوصول إلى الحكم, وتتنافس فيه الدول الاستعمارية على بلاد المسلمين, فجاءت أمريكا بحافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا بانقلاب عسكري, والتي كانت في حينها ضمن النفوذ الإنجليزي, واستقر الأمر في سوريا لأمريكا منذ ذلك الوقت, وبقيت سوريا في القبضة الأمريكية حتى الساعة, وبذلك استطاعت أمريكا أن تضبط الوضع أيضا في لبنان عن طريق “حافظ الأسد” و”الملك فهد” آل سعود بما سمي باتفاقية الطائف التي رجحت كفة أمريكا في لبنان, حتى جاءت حادثة “مقتل الحريري” ضمن الصراع الأوروبي الأمريكي ما اضطر الجيش السوري للخروج من لبنان, وبقي النفوذ الأمريكي متمثلا بحزب الله وفريقه المدعوم من أسد أمريكا, ولا يزال النظام السوري منفذا للسياسة الأمريكية في المنطقة إلى أن جاء ما يسمى بالربيع العربي الذي فاجأ الجميع بما في ذلك الدول الفاعلة في السياسة الدولية التي كانت قبل الربيع العربي هي التي ترسم الخطط, وتقوم بافتعال الأحداث, ومن ثم تكون المنطقة مسرحا لتنفيذ سياساتها, وما تراه يخدم مصالحها كما أعد لها مسبقا, بعد أن فاجأت الثورات العربية الغرب, وأصبحت السياسة الغربية تأخذ ردود الأفعال على ما يجري. ولم يكن لدى الغرب المتنافس على المنطقة خطط سياسية محددة تجاه الأحداث, كما كان يجري في السابق, فظهر التخبط والضعف على السياسة الأمريكية الخارجية, وقد رأينا كيف أحجمت عن التدخل المباشر في ليبيا, وها هي تقوم بأعمال فاشلة في سوريا لاحتواء الثورة. ويعود إخفاق أمريكا في سوريا إلى أسباب عدة منها :

أولا : أن الظروف الدولية ألقت بظلالها على السياسة الأمريكية, وهذا استعراض سريع لأبرز الظروف :

أ. الأزمات الاقتصادية المتلاحقة انعكست بآثارها السلبية على السياسة الدولية وأضعفتها, وجعلت أي تدخل مباشر في المنطقة يلقي بحمل ثقيل على ميزانيات الدول الغربية بما فيها أمريكا.

ب. الانتخابات السياسية التي أضعفت القرار السياسي الأمريكي, والتي تمر بمرحلة يطلق عليها “البطة العرجاء” ثم ازدادت هذه المرحلة سوءا حتى صارت “البطة كسيحة”.

ج. الحروب التي زجت أمريكا نفسها فيها, وذلك في أفغانستان والعراق, وما زالت هذه الحروب مستمرة, ولم تستطع أن تحقق النصر الكامل, بل ألحقت الأذى الكبير بأمريكا, وأبعدت الخيار العسكري.

د. الرأي العام الرافض للتدخل العسكري المباشر, والمشاهد أن الأصوات داخل أمريكا تعلو كل يوم مطالبة بالانسحاب من أفغانستان والعراق. إن المواقف الغربية والعربية من الثورة السورية, وما صحبته من أعمال دولية وإقليمية سواء على المستوى السياسي أو الميداني تؤكد الفشل الذريع من قبل أمريكا, وما يسمى بالمجتمع الدولي لاحتواء الثورة السورية لم يستطع طرح مشروع حل للمشكلة السورية يكون مقنعا للثورة, وقادرا على احتواء الموقف وقد رأينا ذلك من خلال المجالس والهيئات التي تم إنشاؤها لهذا الغرض. وهذا استعراض سريع وموجز لأبرز المجالس والهيئات :

أ. المجلس الوطني السوري بنسخته الأولى بقيادة “برهان غليون” الذي كشفته الثورة, ولم يكن مقبولا عند أهل الشام والثوار في الداخل.
ب. المجلس الوطني السوري بنسخته الثانية بقيادة “عبد الباسط سيدا” الذي حاول تجميل المجلس فكان مصيره الفشل كسابقه.
ج. مجلس أمناء الثورة الذي تم إنشاؤه بقيادة “هيثم المالح” فولد ميتا.
د. الهيئة التنسيقية بقيادة “هيثم مناع”.

هـ. القيادة المشتركة للمجالس الثورية. ومن ثم جاءوا بالبعثات الدولية الآتية :

1. بعثة المراقبين العرب بقيادة “الدابي”.
2. بعثة “كوفي عنان” وكان فشل القوات الدولية التي أرسلت خالية من أي مشروع حل واضحا للعيان.
3. بعثة “الأخضر الإبراهيمي” الذي أعلن بأن ليس لديه خطة بشأن سوريا, فطرح إرسال قوات دولية, ومن ثم طرح هدنة وقف إطلاق النار في عيد الأضحى التي ولدت ميتة كذلك, فكانت فاشلة قبل العمل بها.

والمدقق في كل المبادرات يجد أنها تولد ميتة, وكأن الرحم الذي يلد المبادرات كلها أصبح عقيما لا يلد إلا الجيف الميتة, وما أن انتهت هدنة العيد حتى صرح “الأخضر الإبراهيمي” قائلا: “إن ما يجري في سوريا حرب أهلية” وأكدت روسيا ما قاله الإبراهيمي, ثم تبعتهم المنظمات والهيئات الدولية تتهم المعارضة المسلحة بارتكاب جرائم حرب وإعدامات ميدانية, وأن هناك متطرفين, وبدأ الإعلام يروج لمثل هذه الأفكار, وتوالت التصريحات فقد أعلنت روسيا على لسان وزير خارجيتها “سيرغي لافروف” في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي قائلا: ” إن التفلسف حول إسقاط الحاكم غير فعال إذا رأينا الهدف الرئيسي في ذلك فإن إراقة الدماء ستستمر”.

وذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية “كلينتون” عدة أمور في تصريح لها فقالت:”إن هناك متطرفين إسلاميين يريدون حرف الثورة عن مسارها”. وقالت: “إن المجلس الوطني لم يعد الزعيم المرئي للمعارضة” وقالت: “إن اجتماع المعارضة في قطر سيزيد في الضغط على نظام الأسد”. وقالت :”سنعمل على توسيع المجلس الوطني ليضم جميع أطياف المعارضة, وإنشاء مجلس جديد بقيادة جديدة تحت اسم هيئة المبادرة السورية ومقرها في الأردن”.

والناظر في السياسة الأمريكية يجد أنها كانت ترفض إشراك أطراف دولية أو إقليمية في حين أنها الآن قبلت توسيع المجلس الوطني لضم أعضاء جدد, وقبلت أن تشرك قطر والأردن, في حين ذكرت وكالة الأنباء “رويترز” عن “كلينتون” أنها دعت إلى إصلاح واسع بالمعارضة السورية, وكشفت أن الولايات المتحدة ساعدت في تهريب ممثلين لجماعات معارضة سورية من الداخل لحضور اجتماع في نيويورك الشهر الماضي بشأن توسيع تمثيل المعارضة وقالت: “مع تزايد التوتر الطائفي تريد واشنطن معارضة تواجه بقوة محاولات المتطرفين لخطف الثورة السورية”. إن أمريكا عندما رأت قوة الإسلام العظيم في الثورة وجرأتها في مقارعة أمريكا وعميلها بشار, وخاصة بعد تسمية الجمعة باسم أمريكا كان عنوانها : أمريكا … ألم يشبع حقدك من دمائنا؟

وبعد فشل هدنة العيد التي استماتت أمريكا على تحقيقها فأفشلها ثوار الشام الأبطال بالرغم من محاولات المجلس الوطني الحثيثة والمجالس العسكرية المستحدثة لإقناع الشارع السوري بقبول الهدنة, وعدم توجيه اللوم على أمريكا, ولكن فشل المجالس المدعومة أمريكيا في السيطرة على الشارع كما تريد أمريكا, أظهر العجز والفشل الذريع, هذا ما دعا أمريكا إلى تقديم طروحات جديدة تقبلها أطراف دولية وإقليمية, فجاء قبول مجلس التعاون الخليجي لما يجري من اجتماعات في قطر لبحث الطروحات الأمريكية, وأن المجلس الذي يعملون على إنشائه سيكون مصيره كمصير سابقيه, فمثله كمثل عبد مملوك مسلوب الإرادة. كما قال تعالى: { ضرب اللـه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد للـه بل أكثرهم لا يعلمون * وضرب اللـه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم }. (النحل 76) وكما قال تعالى: { ضرب اللـه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد للـه بل أكثرهم لا يعلمون }. (الزمر 29)

وهذا يظهر لنا أن الغرب أجمع كيده للقضاء على الثورة السورية, فاستنفر كل العالم معه, وسينفذ كل ما في جعبته, وسيكون الفشل والهزيمة والخيبة والخسران مصيرهم بإذن الله تعالى وسينقلع نفوذ الغرب من بلاد المسلمين. مصداقا لقوله تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل اللـه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز اللـه الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولـئك هم الخاسرون}. (الأنفال 37)

ثانيا: ومن أسباب الإخفاق أيضا ما هو متعلق بالموقف الدولي, وتنافس الدول الاستعمارية فيما بينها حول الحل للمشكلة السورية ويظهر ذلك جليا في الموقف الأوروبي وأدواته مثل السعودية وقطر والأردن. والموقف الأمريكي وأدواته إيران وتركيا ومصر, وكانت هذه الدول وراء شخصيات مثل: “رياض حجاب” و”محمد الحاج علي” الذي احتضنته جبهة الأردن وقطر. و”مناف اطلاس” الذي احتضنته فرنسا. وكذلك “فاروق الشرع”. و”مصطفى الشيخ” الذي احتضنته تركيا. وكان الهدف من ذلك هو إيجاد البديل الذي يحفظ المصالح الأمريكية, ويكون مقبولا لدى الشارع السوري والثورة, وإن التنافس الأمريكي الأوروبي أضعف السياسات من الطرفين, وأحبط اتخاذ قرارات حاسمة سواء أكانت قرارات إقليمية أو دولية. وهذه سنة من سنن الله تعالى في خلقه, وهي سنة التدافع التي أخبرنا بها حيث قال جل من قائل: { ولولا دفع اللـه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولـكن اللـه ذو فضل على العالمين }. (البقرة 251)

وقال تعالى : { ولولا دفع اللـه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللـه كثيرا ولينصرن اللـه من ينصره إن اللـه لقوي عزيز }. (الحج 40)

ثالثا : ومنها أيضا ما يتعلق بالسياسات الخرقاء التي اتبعت في سوريا في فترات حكم الأسد الأب, واستمر ذلك في حكم الأسد الأبن؛ فوقعت أمريكا في شر أعمالها التي اعتمدت فيها على الحزب الواحد والعائلة الواحدة والقائد الواحد للدولة والمجتمع, وسحقت جميع الأحزاب السياسية منها والعلمانية مما فرغ الساحة السورية من الأحزاب التي لها وجود في الشارع مما يجعلها قادرة على أن تكون البديل المناسب لأمريكا, مثل حزب النهضة في تونس. وجماعة الإخوان المسلمين في مصر, وأحزاب اللقاء المشترك في اليمن.

رابعا: ومنها أيضا ما هو متعلق بطبيعة الثورة التي نفضت أيديها من الموقف الدولي والإقليمي الذي تخلى عنها, بل رأتهم وهم يعملون ضد ثورتهم بإعطائهم المهل والدعم العسكري السياسي علنا جهارا نهارا, ومن وراء ستار, فكانت الثورة وطول أمدها فاضحة لهم, فدفعت الثوار والناس باتجاه الإسلام, وملأت قلوب الناس حقدا على الغرب والعرب. هذا مما أبرز التيار الإسلامي المخلص بشكل قوي, وهذا التيار كما وصف من قبل السياسيين الغربيين بأنه لا يقبل بالحلول الوسط ويتطلع إلى إقامة دولة إسلامية, وهذا ما جعل البديل الغربي مفقودا حتى اللحظة, فطال عمر المعركة في الداخل, وتتعاظم المحنة وتشتد والثوار صامدون صابرون, ونسأل الله لهم نصرا مؤزرا وأن يسدد رميهم, وأن يهديهم إلى أرشد أمرهم, وأن ينير بصيرتهم, ويصرف عنهم كيد الكفار المستعمرين والعملاء الخونة المنافقين, وأن يثبت خطاهم على طريق محمد صلى الله عليه وسلم, وأن نكون وإياهم أنصار الله في هذا الزمان فننصر هذا الدين, ونقيم دولته ونرفع لواءه وننال وإياهم شرف بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

كتبه يوسف رضوان