مع الحديث الشريف التجارة
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
روى ابن ماجة في سننه قال : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رِفَاعَةَ قَالَ : ” خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ بُكْرَةً فَنَادَاهُمْ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَلَمَّا رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ وَمَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ قَالَ إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ “.
جاء في حاشية السندي على ابن ماجة : قَوْله (فُجَّارًا): إِنَّ مَنْ عَادَتِهِمْ التَّدْلِيسَ فِي الْمُعَامَلَات وَالْأَيْمَانَ الْكَاذِبَةَ وَنَحْوَهَا وَاسْتَثْنَى مَنْ اِتَّقَى الْمَحَارِمَ وَيُوَفِّي يَمِينَه وَصَدَقَ فِي حَدِيثه.
جاء الإسلام والناس يتعاملون بالتجارة فهي من ضرورات الحياة، ومما لا غنى للناس عنه، فليس الإنسان بقادر على إنتاج كل ما يحتاجه وتوفير كل متطلباته المعيشية، فهو ناقص وعاجز ومحتاج لا يستغني عن التعامل مع غيره، وهذا من حكمة الله تعالى في خلقه، فقد خلق الله الناس متفاوتين في قدراتهم متنوعين في مزاياهم ومواهبهم حتى يتعاونوا فيما بينهم، يقول تعالى : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” (13) الحجرات.
وقد شرع الإسلام التجارة لتمكين الناس من تنمية أموالهم والحصول على متطلباتهم المعيشية بالتعاون والتراضي، لا بالقوة والمغالبة حتى لا تعم الفوضى ويسود الاضطراب في المجتمع ويفتقد الأمن والاستقرار الذي هو غاية الإنسانية أفراداً وجماعات.
يقول تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ “. سورة النساء29
وقد كان الناس قبل الإسلام يعتبرون البيع والربا من التجارة، فلما جاء الإسلام فرق بين البيع والربا إذ أباح البيع وحرم الربا، قال الله تعالى : ” ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ” (275) سورة البقرة.
وأصبحت التجارة في الإسلام هي معاملات البيع والشراء بقصد الربح فقط، ومع أن الإسلام أحل البيع إلا أنه ضبطه بأحكام متعدده تمنع الخلاف بين المتبايعين وتحفظ الحقوق، وتحمي المجتمع من الظلم والفساد والاستغلال المقيت.
وفي هذا الحديث يبين الرسول الكريم بعض هذه الأحكام, فهو يأمر التجار بالصدق مع عملائهم والبر بتعهداتهم وتقوى الله في معاملاتهم, وأن من أحكام البيع الأخرى أنه :يجوز لصاحب السلعة أن يبيع سلعته بنفسه, ويجوز له أن ينيب عنه وكيلاً أو رسولا, ويجوز أن يستاجر أجيراً ليقوم بالبيع نيابة عنه على أن يكون أجره معلوما, ويجوز أن يستأجر من ينوب عنه في البيع مقابل جزء من الربح ويكون المستأجَرُ في هذه الحالة شريكاً مضارباً وليس أجيراً.
وكذلك في شرائه للسلع أو الأموال، يجوز أن يقوم بالشراء بنفسه أو بواسطة وكيل عنه أو أجير أو شريك.
والتجارة من وسائل تنمية الملك وهي مباحة بشقيها الداخلي والخارجي.
أما التجارة الداخلية : والتي هي البيع والشراء بين الناس في داخل البلد الواحد سواء أكانت السلع من منتجاتهم الزراعية أو الصناعية أم من منتجات غيرهم لكنها أصبحت في بلادهم يتبادلونها فهي مباحة بلا قيود سوى التزام الأحكام الشرعية في البيع والشراء، ودور الدولة فيها هو الإشراف فقط، فهي تتابع التزام التجار بأحكام الشرع في معاملاتهم لكنها لا تتدخل مباشرة في تفاصيل البيع والشراء فلا تتدخل في نوع السلع أو أسعارها أو أماكن بيعها أو كيفية نقلها بين المدن وما إلى ذلك، إلا بمقدار ما تقتضيه رعاية الشؤون.
وأما التجارة الخارجية : والتي هي شراء السلع من الخارج وبيع سلع البلاد في الخارج، الزراعية منها والصناعية، فإنها يجب أن تخضع لإشراف الدولة المباشر، إذ إن الدولة مكلفة بالإشراف بشكل مباشر على إدخال السلع إلى البلاد وعلى إخراجها منها فتمنع إدخال السلع المحرمة أو الضارة بالناس، كما تمنع إخراج السلع التي في خروجها إضرار بالمسلمين أو التي فيها تقوية للعدو على المسلمين، فالدولة في الإسلام راعية لمصالح المسلمين حامية لهم ولدينهم وهي حاملة رسالة الإسلام إلى العالم لذا كان عليها أن تتصرف في جميع علاقاتها مع الدول الخارجية ومنها العلاقات التجارية من منطلق كونها دولة حاملة مبدأ فتجعل هذه العلاقات خادمة لهذه الرسالة.
هذه لمحة مبسطة عن التجارة في الإسلام وعن دور الدولة الإسلامية في إدارة هذه التجارة، عرضناها عليكم نظرياً سائلين المولى عز وجل أن نشهد وإياكم تطبيقها عملياً قريباً بإذنه تعالى في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، إنه نعم المولى ونعم النصير .
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.