Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق التقشف في رعاية المسنين وإنفاق المليارات على الأولمبياد مترجم

 

إن عام ألفين وثلاثة عشر يقترب، والعديد من الناس يعانون من تأثير سياسة التقشف الحكومي في المملكة المتحدة، حيث تشمل هذه السياسة، الخدمات العامة ومن ضمنها الخدمات الخاصة لكبار السن من الرعاية الصحية، حيث ستغلق بعض الأقسام في المستشفيات بحجة أن المال أصبح شحيحا وأن على الحكومة أن تسلك سياسة التقشف في النفقات لسد العجز في الميزانية، وكما تقول الحكومة: “على كل فرد شد الحزام و تقاسم الألم”.

وبالعودة بضعة أشهر إلى الوراء حيث الأولمبيات التي أقيمت في لندن، نرى كيف كانت الاحتفالات مهيبة ومدهشة للعالم وبشكل خاص في بريطانيا، فقد أظهرت الاستطلاعات أن الرأي العام البريطاني، أجمع على أنها كانت احتفالات ممتعة ومسلية وتستحق المال الذي أنفق لأجلها، وكانت وجهة نظره أنها كانت تعبر عن روح التسامح وتعدد الحضارات وتقبلهم للثقافات، وقد حصل المشاركون ذو الأصول الصومالية والمنحدرون من البحر الكاريبي على العديد من الميداليات الذهبية.

وبعد هذا الحدث تأتي الحكومة لتسلك سياسة التقشف، على الرغم من وجود الكثير من الأسر التي تكافح من أجل الحصول على الغذاء والطعام لأطفالها، وفي هذا الوقت نسترجع الألعاب الأولمبية والإنفاق الباهظ الذي أنفق عليها.

وهنا نذكر بعض الحقائق، حيث كان من المفترض أن تكلف هذه الألعاب ما يقارب (2-3) مليار جنية إسترليني، وفي نهاية الإعداد كلفت ما يقارب (9) مليار جنية إسترليني، في حين أن الحكومة كانت تصرح وتقول: يجب أن نسلك سياسة التقشف، وعلى ما يبدو أن الأمر كان فقط للنفقات العامة لا للشركات الخاصة، وأن خزينة الدولة مغلقة أمام النفقات العامة، ولها سقف يصل إلى (9)مليار جنية. ومردود هذه الألعاب ذهب إلى الأثرياء والمستثمرين المقاولين الإداريين.

ومن الجدير ذكره أن رئيس بلدية لندن بوريس جونسون تحدث قبل الألعاب الأولمبية قائلا: “إنها دفعة رائعة للاقتصاد”. وقال أيضا ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا: “إنها فرصة جيدة لزوار لندن” وتوقع قائلا: إن هذه الألعاب سوف تجني الدولة منها ما يقارب (13) مليار جنيه”. إلا أن الأمور سارت على النقيض من توقعهم؛ حيث أن كثيرا من السياح الذين قدموا إلى لندن لمشاهدة الأولمبياد قضوا وقتهم خارج لندن خلال فترة الألعاب.

ومن المعلوم أن الملاعب قد بنيت في منطقة اسمها (استراتفورد) شرق لندن، وكان هناك تساؤلات كثيرة، حول ما بعد هذه الألعاب، وفيما سوف تستخدم هذه الملاعب؟ وكان هناك أيضا تساؤلات أخرى، هل ما سيحصل عليه أبطال الرياضة يستحق هذا الإنفاق، وكثير من مثل هذه التساؤلات كانت من عوامل إفساد متعة المتابع للأولمبياد، وهناك من كان يخدع نفسه بقوله دعونا ننفق هذه الأموال من أجل هذه الميداليات الذهبية في هذا العام 2012. وننظر أيضا إلى الألعاب التي سوف تحدث في ريو دي جانيرو عام 2016 ونقارنها بها، مواسيا نفسه.

إذن لنقف قليلا عند هذا الحدث؛ الذي تم الإنفاق عليه ما يزيد عن (9) مليار جنيه إسترليني، ونتساءل: أليس من الأجدر أن تصرف هذه الأموال في رعاية المسنين؟ بل هناك العديد من مشاريع البنية التحتية التي كان يمكن أن توفر العمل للكثير من العاطلين عن العمل، حيث الكثير يشكون ارتفاع الفواتير المستحقة عليهم في الطاقة وغيرها، ويشهد المجتمع الكثير من ارتفاع عدد المعتمدين على المساعدات الغذائية التي توفرها الدولة للمحتاجين وغير القادرين على العمل.

أليس هذا الأمر من الجنون في الرعاية بحيث تنفق الأموال الضخمة على الألعاب بينما الإنفاق سهل على الحكومة إن أرادت ذلك؟. وعلى النقيض يقلص الإنفاق على المستشفيات والخدمات العامة والمدارس. أليس هؤلاء الذين أمضوا عاما كاملا يطلبون من المواطنين شد الحزام وهم من قدّر الأولويات في الإنفاق والتقشف؟ فما هي القيم التي على أساسها يقدم هذا على ذاك؟ وما هي القيم التي تسمح بالتخلي عن المسنين الذين قضوا حياتهم من أجلهم؟ وما هي القيم التي تعطي الأولوية للتمتع بضعة أسابيع والشعور الجيد في هذه الفترة على حساب الخدمات العامة التي سوف يحرم منها الناس على مدار السنة وتشمل قطاعا كبيرا من الناس؟

وهنا نقول إن هناك بعض الأصوات في بلاد مثل مصر وتونس وليبيا تدعو إلى محاكاة الغرب في حياتهم والعيش مثلهم. ألا يعلمون كيف هم يقدمون الأولويات؟ وما هي القيم التي يسيرون عليها حياتهم من تعزيز النزعات الفردية والتمتع قصير الأجل على حساب الفقراء والخدمات التي يقدمونها لشعوبهم؟

أليس الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من قال: “ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع”. إن من المعلوم في دولة الخلافة الإسلامية أنها تضمن توفير الحاجات الأساسية لرعاياها، وتوفر لهم سبل الحياة الكريمة، فلا تقدم الأمور الترفيهية على الأمور السياسية كما فعلوا هم من تقديم الترفيه في الألعاب على حساب الفقراء والخدمات العامة، وأيضا لا تسمح الدولة بالتركيز على البذخ في حين أن الآخرين يعانون من الفقر والبرد. وما فعلته الحكومة البريطانية من الإنفاق في غير مكانه، والقيم التي يطبقونها ما هي سوى دليل على مدى الانحطاط الفكري وسوء رعاية الشؤون عند هؤلاء الرأسماليين.

 

 

 

تاجي مصطفى – الممثل الإعلامي لحزب التحرير في بريطانيا