محطات وخواطر من جاكارتا ج2
هي أخت جاءت ليلة مؤتمر إندونيسيا العالمي للنساء لتستفسر عن بعض أمور في اللغة العربية كونها ستكون مسؤولة عن البث المباشر باللغة العربية لوكالات أنباء عندهم، ويوم المؤتمر كانت كالشعلة المتوقدة في عملها وإتقانه والقيام به على أكمل وجه، إلى هنا فإن الأمر عادي وطبيعي من حاملة دعوة أن تقوم بعملها كما يجب.
ولكن ما علمته بعد ذلك هو ما جعلني أتكلم عنها.. فقد علمت أن ابنتها البكر والتي كانت تبلغ من العمر 15 عاما قد توفاها الله قبل أقل من أسبوعين من يوم المؤتمر!!
نعم ماتت ابنتها ولم تُظهر ذلك لنا، ولم تجعله عائقا أو سببا لعدم العمل مع أنه عذر شرعي لها.. لم تجلس نائحة باكية شاكية وقالت لا أستطيع العمل فنفسيتي تعبة وأنا حزينة.. بل احتسبت ابنتها عند ربها وأكملت المطلوب منها.. فلله درها من صاحبة نفسية إسلامية راقية.
وقتها.. وعندما علمت بذلك لم أتمالك نفسي من البكاء ولأكثر من سبب.. بكيت تأثرا بهذا الأمر.. فنحن بشر والفراق صعب وسبحان قاهر عباده بالموت.. بكيت حزنا وشفقة عليها.. وكذلك ربما حزنا على نفسي لأنني شعرت بالتقصير.. شعرت بأنني صغيرة أمام هذه العملاقة بتفانيها في الدعوة بحيث لم تجعل مشاعر الحزن والألم تعيقها عن واجبها.. صبرتْ واحتسبتْ مصيبتها عند ربها حتى عندما زرناها في بيتها كانت صابرة محتسبة مؤمنة بقضاء ربها وقدره..فهذا حال المؤمنين وحملة الدعوة في كل مكان .
أيضا شرد ذهني إلى غيرها من حاملي الدعوة وحاملاتها.. أين نحن من هذه المرأة!! أين نضع الدعوة في حياتنا ؟ هناك منا من يظهر وكأنهم يبحثون عن حجة للتقاعس.. عن سبب للركون والكسل.. وأخص هنا حاملات الدعوة اللواتي لا يؤدين أحيانا الالتزامات المفروضة لأن الولد أو البنت شعروا بوعكة صحية بسيطة مع أنه هناك من يعتني بهم خلال فترة غيابها القصيرة.. أو بحجة أن عندهم امتحانات ودراسة فيجب أن تكون بجانبهم!! أو عندها مناسبة اجتماعية أو زيارة تعتبرها هامة!! وغير ذلك من أسباب وحجج هي في الأول والآخر مسؤولة عنها أمام ربها.. رأيت وكأن هذه الأخت الطيبة تمثلت هذه الآية الكريمة أمام ناظريها والتي يقول فيها رب العزة :
“قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ”.
فلنراجع أنفسنا ونسألها، ماذا نقدم على الآخر.. أمور الدنيا والتزامات العمل والأهل والأبناء والتي ابتدعنا أكثرها، أم القيام بما يرفع درجاتنا عند الله سبحانه! وإذا تعارض وقت التزاماتنا مع وقت أمورنا الدنيوية ماذا نفضل أكثر.. القيام بالأمور الدنيوية الزائلة أم تكون الدعوة هي الأساس!!
هل الدعوة هي من أول أولوياتنا وهي محور حياتنا وندور حولها أم نجعلها هي التي تدور حولنا وتتوافق مع حياتنا؟! هل نحن نحمل الدعوة أم أن الدعوة تحملنا؟!
اعذروني فأنا لا أهاجم أحدا ولا أنتقص من شأن أو عمل أو خير أي منكم أو منكن، وإن هذا الكلام وجهته لنفسي قبلكم. وإنما هي خواطر جاءتني وأحببت أن أشارككم فيها فنحن عائلة واحدة في هذا الحزب العظيم يشد بعضه بعضا والمسلم مرآة أخيه المسلم.. وبارك الله فيكم.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم صهيب الشامي