Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق هل بلدنا مصر تحت الانتداب الأمريكي بدون قرار دولي

 

الخبر:

في 26/2/2013 أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس أوباما تحدث هاتفيا مع الرئيس المصري مرسي قائلا: “رحب الرئيس بالتزام مرسي بأن يكون رئيسا لكل المصريين بما في ذلك النساء وأتباع كل الأديان. وشدد على مسؤولية الرئيس مرسي عن حماية المبادئ الديمقراطية التي كافح الشعب المصري لتحقيقها، وشجع مرسي وكل الجماعات السياسية في مصر على العمل على التوصل إلى توافق والمضي بعملية التحول السياسي قدما”. (رويترز).

التعليق:

إن المتابع للتصرفات الأمريكية القولية والفعلية تجاه مصر يتوصل إلى أن بلدنا مصر واقع تحت النفوذ الأمريكي وكأنه تحت الانتداب الأمريكي ويرى ذلك في النقاط التالية:

1. فالرئيس الأمريكي يأخذ التلفون ويتصل فورا بحاكم مصر محمد مرسي ويملي عليه عدة إملاءات منها: “التزام مرسي بأن يكون رئيسا لكل المصريين” فيفهم من هذه العبارة أن مرسي قد عين رئيسا أو حاكما لمصر من قبل أمريكا أو وافقت على تعينه بناء على التزامات ألزمته بها، وإلا فكيف تصدر هذه العبارة من دولة كبرى لرئيس دولة أخرى؟! فهل يستطيع أوباما أن يستعمل هذه العبارة مع الرئيس الفرنسي أو الروسي أو رئيس وزراء بريطانيا؟ لا يمكن؛ فإن الدنيا في تلك الدول سوف تقوم ولا تقعد ويصبح رئيسها مهزلة وتطالب شعوبها وعلى رأسهم حزب الرئيس بإسقاطه.

2. يوصيه بالنساء؛ ليكون رئيسا لهن فلا يهمشهن! بل هي عبارة إملاء وإلزام؛ فيفهم منها أن أمريكا هي الوصي على مصر ونسائها، وأن رئيسها وأهلها لا يستطيعون أن يحموا نساءهم وأنهم يهمشونهن وأن أمريكا هي الحامية لنساء مصر من رجالها! فهذا تدخل مباشر ووقح في شؤون مصر وكأنها دولة تحت الانتداب الأمريكي، عدا أنه استخفاف بمصر وبرئيسها. فالرئيس الذي يتمتع بصفة رجل الدولة يكون لديه إحساس مرهف وشعور بالمسؤولية وفهم وإدراك لما تعنيه تلك التصريحات ويوقف الأمريكان ورئيسهم عند حدهم ويقطع العلاقات معهم، ويثور ثورة الرجال الغيورين على حرائر مصر.

3. يلزمه بأن يكون رئيسا “لأتباع كل الأديان” فهو أي الرئيس الأمريكي يملي على مرسي كحاكم لمصر السياسة الداخلية في كيفية معاملة أهل البلد. وهذا تدخل سافر في شؤون مصر ودليل على أن أمريكا تنظر إلى مصر وكأنها دولة تحت انتدابها غير ناضجة لا تعرف كيف تعامل شعبها. فمفهوم الانتداب كما أصدرته عصبة الأمم التي تأسست عام 1919 وورثتها الأمم المتحدة منذ عام 1945 ولكن بأساليب أخرى يعني مسؤولية دولة كبرى عن شعب لم ينضج بعد في الحكم وفي إدارة شؤونه بنفسه، فتشرف عليه تلك الدولة الكبرى صاحبة النفوذ فيه وتوجهه وتعين عليه حكاما يلتزمون بأوامرها. فكان الانتداب صيغة أخرى للاستعمار وكانت مصر تحت الانتداب البريطاني فتحولت إلى الانتداب الأمريكي كما يظهر ولكن بدون قرار من الأمم المتحدة. ويفهم من ذلك أيضا أن أمريكا تضع الإسلام كالنصرانية ليس له علاقة بالحكم وبالسياسة والاقتصاد حيث تعتبره مجرد دين لا غير حسب المفهوم الغربي محصور في الاعتقاد والعبادة والتصرفات الشخصية مثل إطلاق اللحى. ولا تسمح لأهل البلد المسلمين أن يستأثروا بالحكم، وإنما تسويهم بالنصارى في موضوع الحكم. مع العلم أن الأكثرية الساحقة من أهل البلد مسلمون، وأن الإسلام نظام شامل للحياة وللدولة والمجتمع، وأن النصرانية عبارة عن دين روحاني كهنوتي ليس له علاقة بالدولة وبالحكم وبالسياسة والاقتصاد وغير ذلك من أنظمة المجتمع.

4. يلزمه بأن “يحمي مبادئ الديمقراطية” بل يشدد على هذا الالتزام. فيدل على أن أمريكا تحرص على أن تكون المبادئ الديمقراطية هي السائدة في مصر وتعمل على حمايتها عن طريق حاكم مصر حرصا منها ألا يفكر هو أو غيره بأن يأتي “بمبادئ الإسلام” ويجعلها أساسا للحكم في مصر. فأمريكا دولة علمانية كافرة قائمة على المبادئ الديمقراطية وتعمل على نشرها في العالم وترسل الجيوش لسيادتها، فتعتبر نفسها حامية الديمقراطية والعاملة على نشرها في العالم. وهنا تقرر أمريكا نظام الحكم في مصر فهذا عين الانتداب كما فعلت في العراق وفي أفغانستان ولكن كان الأمر في هذين البلدين عن طريق الاحتلال المباشر.

5. لم يكتف الرئيس الأمريكي بتوجيه رئيس مصر بل يعمل على توجيه كافة الجماعات السياسية ويطلب منه ومن تلك الجماعات “التوصل إلى التوافق”. وهذا يؤكد على أن أمريكا تمارس صفة الوصي على مصر وعلى نظامها وعلى جماعاتها السياسية. والذي أطمع أمريكا بمصر هو خضوع النظام والقائمين عليه لأوامرها وإملاءاتها وتوصياتها وإعلانهم على الالتزام بكل المعاهدات والاتفاقيات التي عقدها النظام السابق ومعناها إبقاء مصر مرتبطة بالسياسة الأمريكية واستجداؤهم مساعدات صندوق النقد الدولي الذي تتحكم فيه أمريكا، واستقبال الكثير من الجماعات السياسية في مصر للسفيرة الأمريكية ولغيرها من المسؤولين الأمريكيين والتواصل معهم. فالحزب السياسي الصادق يرفض الاتصال بالأمريكيين وبغيرهم من الدول الأجنبية ويستنكر على نظام بلاده خضوعه لأمريكا ويستنكر تصريحات الرئيس الأمريكي ويقول له لا نسمح لك أن تتكلم في شؤون بلادنا فنحن نحل مشاكلنا بأنفسنا وحسب مبدئنا الإسلامي ولا نحتكم إلى مبادئ الكفر الديمقراطية.

6. إن تركيز أمريكا ودول الغرب كافة على المبادئ الديمقراطية وخوضها الحروب لنشرها لهو أكبر دليل على أن هذه المبادئ هي مبادئ كفر. وهي وسيلة فعالة وحصان طروادة للاستعمار وبسط النفوذ في مصر وفي غيرها من البلاد الإسلامية. والجدير بالذكر أن الدول الغربية الاستعمارية عندما لم تتفق على تقسيم الدولة العثمانية بينها في مؤتمر برلين عام 1878 اتفقت على فرض المبادئ الديمقراطية على الدولة العثمانية حتى تتمكن من النفاذ إلى الدولة فتكسب العملاء وتجعلهم يشكلون أحزابا ديمقراطية وعلمانية وقومية ووطنية فتتمكن عن طريق العملاء والاتصال بهذه الأحزاب من إحداث الفوضى في البلاد ومن ثم تتمكن من إسقاط النظام الإسلامي وإحلال النظام الديمقراطي مكانه ومن ثم تعمل على تمزيق رقعة الدولة والسيطرة على البلاد التابعة لها. وهذا ما حدث بالفعل؛ فاستطاعت الدول الاستعمارية أن تسقط الخلافة بواسطة هذه الأحزاب الديمقراطية وبواسطة العملاء الديمقراطيين والعلمانيين والقوميين والوطنيين وتمكنت من السيطرة على البلاد الإسلامية وأقامت فيها دولا متفرقة تابعة لها.

7. فيجدر بمن يريد أن يحكم البلد ويمارس العمل السياسي أن يتعظ من ذلك، وأن يتابع الأحداث اليومية من زاوية إسلامية وألا يخدع نفسه وغيره ويظن أنه يحسن صنعا، وهو يربط نفسه وبلده بأمريكا وغيرها من الدول الغربية الاستعمارية التي تعمل على محاربة الإسلام بنشرها “مبادئ الديمقراطية” وهي نقيض الإسلام، ويجدر به أن يكون صاحب إرادة صادقة وقوية يرفض التبعية لأية دولة ويتخذ الموقف الحازم منها، وليأخذ العبر كيف تصرفت أمريكا مع عميلها حسني مبارك وتخلت عنه غير آسفة عليه، وسوف لا تأسف على مرسي إذا رأت أن مصلحتها تقتضي التخلي عنه. ولينظر كيف تتصل بأقطاب المعارضة كما تتصل بالقائمين على النظام فتعمل على إدارة اللعبة السياسية في مصر. فتبني الديمقراطية من قبل النظام ومن قبل كثير من الأحزاب هو الذي يبقي مصر تدور في دائرة النفوذ الغربي وتحت الانتداب الأمريكي، فلا يمكن النهوض بالبلد وتحريرها من الاستعمار ونفوذه إلا بإزالة أفكاره الديمقراطية والعلمانية والوطنية والقومية وإسقاط النظام القائم عليها، وبتبني الإسلام قولا وفعلا وتطبيقه في الدولة فورا والتخلي عن المتاجرة به للوصول إلى المناصب.

 

 

أسعد منصور