Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف منع كنز الذهب والفضة

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

توفي رجل من أهل الصفة : روى الطبراني في المعجم الكبير قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدَانُ بن أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بن الْوَلِيدِ، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بن حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:”كَيَّةٌ”، ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَرُ، فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:”كَيَّتَانِ”.

 

قال القاضي عياض: الصفة ظلة في مؤخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إليها المساكين، وإليها ينسب أهل الصفة.

وقال ابن حجر: الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل.

وأهْلُ الصَّفَّة هم فقراء المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم تكن لهم منازل يسكنونها، فكانوا يأوون إلى هذا المكان المظلّل في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وعُرفوا بأضياف الإسلام.

ففي صحيح البخاري قال أبو هريرة رضي الله عنه: ( .. وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد ).

لقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم من احتفظ بالذهب من أهل الصفة وظل يعيش على الصدقة … توعده بكيات على عدد الدنانير التي كنزها وذلك إشارةً لقوله تعالى: (( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)) ( 35) سورة التوبة, وهذا الوعيد من النبي لمن يكنز الذهب ويعيش على الصدقة توكيد لحكم تحريم كنز المال والامتناع عن انفاقه ….. فالمتوفى كان من أهل الصفة الذين يعيشون على الصدقة رغم امتلاكه الذهب, وقدرته على النفقة على نفسه وهذا هو الكنز.

فالكنز في اللغة هو جمع المال بعضه على بعض وحفظه …. ومال مكنوز: أي مجموع.

والكنز كل شيء مجموع بعضه على بعض, سواء أكان في بطن الأرض أو على ظهرها.

وقد حرم الشارع كنز المال في قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )).

فالوعيد بالعذاب الأليم لمن يكنزون الذهب والفضة دليل ظاهر على أن الشرع طلب ترك كنز المال طلباً جازماً فكان كنز الذهب والفضة حراماً …. ولما كان الذهب والفضة حين نزلت الآية هما أداة التبادل ومقياس الجهد في العمل والمنفعة في المال سواء أكانت مسكوكة كالدراهم والدنانير أم لم تكن مسكوكة كالسبائك والتبر فيكون النهي عن كنزهما بوصفهما أداة التبادل ويكون المحرم هو كنز النقد بشكل عام سواء أكان ذهبا أو فضة أو أي نقد أخر.

وقد يظن بعض المسلمين أن تحريم كنز النقود يكون إن لم ينفق منه في سبيل الله أي أن من ينفق في سبيل الله فله أن يكنز ولا شيء عليه …. وهذا خطأ لأن النهي في الآية منصب على الحالتين …. فمن كنز ماله من الذهب والفضة شمله التهديد حتى لو أنفق في سبيل الله … وكذلك من امتنع عن الانفاق في سبيل الله ولم يكنز النقود شمله التهديد …. فكنز النقود محرم حتى لو أخرجت زكاته وأنفق منه في سبيل الله.

وأن حكم تحريم كنز النقد كان هو حل ضمن مجموعة من الحلول الشرعية لإنجاح الحياة الاقتصادية والقضاء على البطالة والتضخم والكساد ومن ثم حدوث الأزمات الاقتصادية, وبالنظر في واقع المعاملات المالية يرى أنها تبادل بين مال ومال أو مال وجهد أو مال ومنفعة وحتى بين جهد وجهد أو منفعة ومنفعة لكن تقدير المنافع والجهود يتم بواسطة النقود …. وما دامت النقود تنتقل بين أيدي الناس من المستهلك إلى المنتج ومن المنتج إلى العمال والفنيين والموظفين والمتخصصين ثم يعود من أيديهم جميعاً إلى أيدي المنتجين على اختلافهم وتنوعهم فإن العجلة الاقتصادية تبقى دائرة والإنتاج يستمر ويزداد ما دامت الناس تستهلك ما ينتج … والعمال بمختلف تخصصاتهم يجدون مصادر للدخل ….. لكن لو كنزت النقود ومنعت من التداول فامتنع المنفقون أو بعضهم عن الإنفاق لكسد الإنتاج وما لبث أن ضعف وتوقف ما ينتج عنه تسريح العمال وانتشار البطالة وهبوط الاقتصاد … فكان منع كنز النقود حلاً باهراً لمشكلة الكساد والبطالة ومن ثم فقر الدولة والأفراد …

ومن الجدير ذكره أن كنز النقود غير ادخاره, فالكنز هو جمع المال بعضه فوق بعض لغير حاجة …. أما الادخار فهو جمع النقد من أجل غاية معينة والى حين التمكن من إقامة ما جمع النقد لأجله وهذا لا يضر الاقتصاد بشيء… فمن يدخر النقود من أجل إقامة مشروع تجاري أو حتى مشروع استهلاكي أو من أجل بناء بيت أو للزواج أو لجمع تكاليف دراسته أو لأي غرض آخر هو لم يمنع نقوده عن السوق للأبد بل منعاً مؤقتاً ولا يلبث أن يعيد نقوده للتداول حال بدئه بمشروعه الذي ادخر لأجله … فالادخار ليس محرما بل مباحا … ولا شيء عليه سوى أن يدفع زكاته إن بلغ نصاب الزكاة وحال عليه الحول …

فهل يخطر مثل هذا الحل أو شبيهه للرأسمالية العفنة أو الاشتراكية الحمقاء أو الشيوعية الغاشمة….. الرأسمالية التي ترى ما يصيب المجتمع من سوء في توزيع الثروة ومن ثم فقر يعم الغالبية العظمى من الشعب ما يؤدي إلى فقر الدولة فتكتفي بالمراقبة دون محاولة جادة للخروج من الأزمة وأما الاشتراكية فقد رأت الحل بتحديد الملكية الفردية بالكم وأما الشيوعية فكان حلها بمنع الملكية الفردية مطلقاً … فكانت معالجاتهم جميعاً هروباً من الدلف إلى تحت المزراب …. فبئست المعالجات وبئس المعالجون …. ونعمت معالجات تأتي من لدن عليم حكيم …

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.