Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق دعوة من نائب برلماني لزيادة مخصصات النواب


الخبر:

أوردت الصحف الصادرة في مطلع أبريل/ نيسان 2013م قولاً منسوباً لمساعد الأمين العام للشئون المالية والإدارية بالبرلمان، النائب/ تاج الدين عثمان، يدعو فيه قيادة المجلس التشريعي لزيادة مخصصات النواب، تماشياً مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد. وهو يريد “أن يكون النائب عينه مليانه وجيبه مليان” حسب قوله.

التعليق:

هذا القول ورد من شخص يفترض أن يكون مطلعاً على الحالة الاقتصادية في عموم البلاد اطلاعاً تاماً، ومع ذلك يريد أن يملأ عين النواب (العين التي لا يملأها إلا التراب). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ) أخرجه البخاري. والسؤال هو: من أين يريد أن يملأ هذا النائب الموقر جيبه وجيوب زملائه؟ طبعاً من أموال الفقراء والمساكين الذين أنهكتهم الضرائب التي تجبى صباح مساء، ومن كل شيء عدا الهواء. وأريد أن أذكر الأخ النائب وزملاءه بعناوين كشفت مواقفهم إزاء قضايا الناس منها:

• البرلمان يجيز زيادة أسعار المحروقات، والوطني يحذر من المظاهرات.
• البرلمان يصادق على زيادة أسعار السكر والمحروقات.
• البرلمان يجيز زيادة الأسعار وسط تصفيق نواب المؤتمر الوطني.

وما إلى ذلك من عناوين تبرز مواقف (نواب الشعب في برلمان السودان)….

إذاً، من الذي صادَق على الحالة الاقتصادية المزرية هذه، والتي يطالب بموجبها السادة البرلمانيون بزيادة مخصصاتهم بدرجة تملأ أعينهم وجيوبهم؟! أم إن الأمر مجرد مطالبة باستحقاقات تلك التصفيقات فرحاً بتمرير زيادة الأسعار!

وفي إطار تداول البرلمان لخطاب رئيس الجمهورية أمام الهيئة التشريعية، حذر أعضاء البرلمان من انهيار القيم الأخلاقية والمشروع الإسلامي في ظل اتساع دائرة الفقر التي ابتلعت الطبقة الوسطى، واعتبر أن إيرادات ديوان الزكاة مهما بلغت فلن تغطي هذه الفجوة، فيا سبحان الله! من الذي صادق على سياسة الدولة هذه التي ابتلعت الطبقة الوسطى من الشعب (وأحسب أن أعضاء البرلمان من هذه الطبقة)، ومنها جاءوا بالمطالبة بزيادة المخصصات لملء الجيوب والعيون للخروج من هذا الابتلاع. ثم أليس البرلمان هو الرقيب على كل سياسات الدولة! وهو الذي صادق على هذه الإجراءات الاقتصادية التي أوصلتنا إلى هذه الحالة!

قد يرى الكثيرون أن موقف البرلمان السوداني في تأييده لسياسة الدولة بدعة من البدع في عالم السياسة، وموقف شاذ لا يمكن أن يوقفه ممثلو الشعب، والصحيح هو أن الأسلوب الذي اتبعه بعض أعضاء البرلمان في كونهم يصفقون لقرارات تزيد من معاناة الناس الذين يفترض أنهم يمثلونهم فلا يمثلون الحكومة، ويتحدثون بلسانهم لا بلسان الحكومة ويدافعون عن حقوقهم لا عن سياسات خاطئة للحكومة، هذه فعلاً بدعة سياسية لم أر ولم أسمع بها من قبل أن برلماناً فعل مثل ما يفعله برلمانيو السودان.

أما البدعة الثانية، فبدلاً من أن يطالب أعضاء البرلمان بزيادة الأجور لكل العاملين بالدولة وهم من ضمنهم نجد الصوت يعلو في البرلمان منادياً بزيادة مخصصاتهم فقط، أما أن يقف أعضاء البرلمان إلى جانب سياسة الدولة أو ضدها فهذا أمر طبيعي يحصل في كل برلمانات العالم، وذلك أن عضو البرلمان يمثل حزبه في المقام الأول وهو يلتزم بالخط الذي يرسمه حزبه، فإذا كان الحزب هو الحاكم فلا مناص للبرلماني إلا أن يؤيد سياسة حكومته ويدافع عنها بغض النظر عما ينعكس على الناس جراء هذه السياسة، وإن كان معارضاً فعليه معارضة جميع قرارات الحكومة ولو كانت في مصلحة المواطن. هذا يحدث حتى في الدول الكبرى، فالحزب الجمهوري في أمريكا يقف معترضاً على زيادة الضرائب على الشركات وأصحاب رؤوس الأموال للخروج من الأزمة المالية، وهي السياسة التي تبنتها الحكومة الأمريكية بدلاً من تقليل الدعم للرعاية الاجتماعية الذي يستفيد منه الأكثرية هناك. كما شاهدنا مواقف الأحزاب في الدول الأوروبية (إسبانيا- البرتغال- إيطاليا- اليونان) التي وقفت مع الإجراءات التقشفية التي دفعت بالناس للشوارع احتجاجاً على فقدهم وظائفهم، والزيادة في معاناتهم جراء سياسة حكوماتهم الرعناء.

نعم إن مواقف أعضاء البرلمانات إنما يحددها في المقام الأول مواقف أحزابهم، ثم مصلحة المواطنين في الدرجة الثانية، وذلك لخلل جوهري موجود في بنية النظام الديمقراطي نفسه؛ الذي يجعل الغاية القصوى للحزب الحاكم هي المحافظة على السلطة، بينما غاية الغايات لدى المعارضة هي إسقاط الحكومة والحلول مكانها، وداخل هذه الحلبة تدور الصراعات، وهذه واحدة من المفارقات الجوهرية بين النظام الديمقراطي ونظام الحكم في الإسلام، فالأحزاب في نظام الإسلام دورها محاسبة الحاكم على أساس الإسلام وهو عينه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآية: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

كما أنه لا توجد في الإسلام أحزاب معارضة وأحزاب حاكمة، فالحاكم بعد اختياره من قبل الناس ومبايعته على أساس الإسلام، فحينئذ لا يكون الرئيس جزءا من أي حزب ولو كان مدعوماً من قبل أحد الأحزاب قبل اختياره، أو متبنياً أفكار ذلك الحزب، فتكون علاقة هذا الحزب أو ذلك بالحاكم مثله مثل كل الأحزاب الأخرى وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحاكم ومراقبته في إحسان تطبيق أحكام الإسلام.

أما فكرة أن يكون هناك ممثلون للأمة يقومون مقامها في أمر الشورى والمحاسبة فقد بدأ هذا الأمر في الإسلام مبكراً حيث بيعة العقبة الثانية فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار، (أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ عَلَى قَوْمِهِمْ). وقد درج عليه الصلاة والسلام على استشارة أصحابه، فخص بعضهم بالاستشارة الدائمية وبعضهم وقت الحاجة وبعض ذوي الاختصاص.

فلا يوجد صراع بين الأحزاب السياسية في الدولة الإسلامية على الحكومة القائمة، إنما تتعامل الأحزاب مع الحكومة باعتبارها حكومتها، وتوجب على الأحزاب محاسبة هذه الحكومة من أجل ضمان تطبيق أحكام الإسلام.

 

 

 

المهندس حسب الله النور (أبو معاذ) / ولاية السودان