مع الحديث الشريف- الرزق بيد الله
نحييكم جميعا أيها الأحبة المستمعون في كل مكان في حلقة جديدة من برنامجكم مع الحديث الشريف ونبدأ بخير تحية فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا” رواه ابن ماجة
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( حَقّ تَوَكُّله ) بِأَنْ لَمْ يَخْطُر بِبَالِك مُدَاخَلَة لِغَيْرِهِ تَعَالَى فِي الرِّزْق أَصْلًا وَعَمِلْتُمْ بِمُقْتَضَاهُ
( لَرَزَقَكُمْ ) كُلّ يَوْم رِزْقًا جَدِيدًا مِنْ غَيْر أَنْ تَحْتَاجُوا إِلَى حِفْظ الْمَال وَلَا يَلْزَم مِنْهُ تَرْك السَّعْي فِي تَحْصِيل ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ وَالْحَرَكَة فَإِنَّ السَّعْي مُعْتَاد فِي الطَّيْر وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيث ب
قَوْله ( تَغْدُو ) أَيْ تَخْرُج مِنْ أَوَّل النَّهَار
( خِمَاصًا ) جِيَاعًا
( وَتَرُوح ) أَيْ آخِره
( بِطَانًا ) أَيْ مُمْتَلِئَة الْأَجْوَاف قَالَ السُّيُوطِيُّ الْخِمَاص جَمْع خَمِيص وَالْبِطَان جَمْع بَطِين قُلْنَا هُمَا كَالْكِرَامِ جَمْع كَرِيم وَاَللَّه أَعْلَم وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجَة فِي الْإِنْسَان إِلَى حِفْظ الْمَال إِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ جِهَة تَرْك حَقّ التَّوَكُّل عَلَى الْجَلِيل الْمُتَعَالّ .
مستمعينا الكرام
إن من الأفكار السائدة بين المسلمين والتي لا يكاد ألا ويرددها كل واحد منا هو أن الرزق بيد الله، ولكن الملاحظ أن هناك الكثير ممن ينطق بها لسانه دون قلبه، وترددها شفتاه دون أن يطابقها عمله. فترى المسلم يُقبل على كسب الحرام مع إيمانه بأن الرزق بيد الله، وإذا ضاق عليه الحال أكل الحرام دون أن يبالي بغضب الله ودون أن يتذكر أن رزقه بيد الله .
فما هو معنى أن الرزق بيد الله؟ وهل معنى ذلك أن يقعد الإنسان عن طلب رزقه إذا علم أن رزقه قد كتبه الله في اللوح المحفوظ منذ الأزل؟ وهل هناك علاقة بين الرزق والسعي لكسب العيش؟.
المستمعون الكرام: لقد شاء الله أن يكون رزق عبيده بيده وحده لا سواه. فكتبه الله في اللوح المحفوظ وقدره. عن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم”ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها”.
فلن تموت نفس ناقصة رزق أو أجل بل هي اخذ بنصيبها مما كتب الله لها حتى وإن لم تعمل له أو تسعى من أجله.
ولكن أوجب على عباده السعي لكسب العيش دون أن يتعارض ذلك مع أن رزقه محدود مكتوب .
قال تعالى{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }.
إن الإيمان بأن الرزق بيد الله وحده فرض علينا وهو جزء من العقيدة الإسلامية ومن ينكر ذلك فهو كافر استحق عذاب جهنم والعياذ بالله.
ومن لم تكفه الآيات الكريمة والأحاديث ليعلم أن الرزق بيد الله وحده فلينظر إلى الأمثال التي ضربها الله في كتابه من مثل صاحب الجنتين الذي غرته جنتاه فظن أن الله عنه عاجز أو أن رزقه كان بفعله وذكائه وليس بيد الله. ولا يذهب بعيدا فلينظر حوله ويرى كيف أن الله يرزق فلانا رزقا وافرا ويقدر على غيره، ولربما من كان رزقه أكثر هو أقل ذكاء وأضعف حيلة ولكن الله أراد رزقته وحسب.
ولينظر حوله ويرى كيف أن الله يقلب الأحوال بين عباده فيصبح الرجل غنيا ويمسي فقيرا. وكيف أنه يخرج من عائلة غنية وافرة الرزق من لا يجد قوت يومه . وغيرها الكثير الكثير من الأمثلة التي لا تحصى والتي تدل دلالة قاطعة أن الرزق بيد الله لا بيد غيره، وأنه وحده من يزرق ومن يقدر ولا دخل لذكاء ولا لعائلة ولا لشيء برزق الله .
ولكن الله في الوقت نفسه فرض على المولود له السعي لكسب قوت عياله وجعل ذلك من واجباته تجاه أهله.{وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا}
فالعمل لكسب العيش واجب والسعي على رزق العيال واجب.
ولكن حذار عباد الله أن تخلطوا بين الأمرين، فتقولوا بما أنّ الله فرض علينا العمل لكسب العيش فالرزق إذاً لا يأتي بدون عمل، حذار عباد الله، فلا تخلطوا بين الأمرين، الرزق بيد الله وحده وهو آتيك. نعم الأمران مختلفان، فكما أوجب الله علينا الصلاة والصيام والجهاد وحمل الدعوة أوجب علينا السعي لكسب قوت اليوم، والرزق قد قدره الله لكل واحد منا من قبل أن يُخلق وهو ثابت لا يتغير فهو في علم الله، فاعلموا أن الله يرزق من يشاء ويقدر على من يشاء فأجملوا في الطلب .
فلا يدفعنكم ضيق العيش وصعوبة الحال إلى معصية الله ونسيان أن الأمر بيده، فاتقوا الله في أعمالكم ولا تفكروا بعصيانه لأجل قوت يومكم .
مستمعينا الكرام والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .