Take a fresh look at your lifestyle.

نداءات القرآن الكريم ح27 النهي عن طاعة الذين كفروا من الذين أوتوا الكتاب ج3

(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فر‌يقا من الذين أوتوا الكتاب ير‌دوكم بعد إيمانكم كافر‌ين). (آل عمران 100)

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثاني عشر نتناول فيه الآية الكريمة المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فر‌يقا من الذين أوتوا الكتاب ير‌دوكم بعد إيمانكم كافر‌ين).

نقول وبالله التوفيق: يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: “وشكر الله على نعمة المعرفة ونعمة تسخير القوى والطاقات الكونية. شكره بالعبادة، وشكره بتوجيه هذه المعرفة وهذا التسخير لخير البشرية .. فأما التلقي عنهم في التصور الإيماني، وفي تفسير الوجود، وغاية الوجود الإنساني. وفي منهج الحياة وأنظمتها وشرائعها، وفي منهج الأخلاق والسلوك أيضا .. أما التلقي في شيء من هذا كله، فهو الذي تغير وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأيسر شيء منه. وهو الذي حذر الله الأمة المسلمة عاقبته. وهي الكفر الصراح ..

أيها المؤمنون:

هذا هو توجيه الله سبحانه وهذا هو هدي رسوله صلى الله عليه وسلم فأما نحن الذين نزعم أننا مسلمون، فأرانا نتلقى في صميم فهمنا لقرآننا وحديث نبينا صلى الله عليه وسلم عن المستشرقين وتلامذة المستشرقين! وأرانا نتلقى فلسفتنا وتصوراتنا للوجود والحياة من هؤلاء وهؤلاء، ومن الفلاسفة والمفكرين: الإغريق والرومان والأوروبيين والأمريكان! وأرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانيننا من تلك المصادر المدخولة! وأرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلاقنا من ذلك المستنقع الآسن، الذي انتهت إليه الحضارة المادية المجردة من روح الدين .. أي دين .. ثم نزعم أننا مسلمون! وهو زعم إثمه أثقل من إثم الكفر الصريح. فنحن بهذا نشهد على الإسلام بالفشل والمسخ. حيث لا يشهد عليه هذه الشهادة الآثمة من لا يزعمون مثلنا أنهم مسلمون!

أيها المؤمنون:

إن الإسلام منهج. وهو منهج ذو خصائص متميزة: من ناحية التصور الاعتقادي، ومن ناحية الشريعة المنظمة لارتباطات الحياة كلها. ومن ناحية القواعد الأخلاقية، التي تقوم عليها هذه الارتباطات، ولا تفارقها، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وهو منهج جاء لقيادة البشرية كلها. فلا بد أن تكون هناك جماعة من الناس تحمل هذا المنهج لتقود به البشرية. ومما يتناقض مع طبيعة القيادة – كما أسلفنا – أن تتلقى هذه الجماعة التوجيهات من غير منهجها الذاتي ..

 

ولخير البشرية جاء هذا المنهج يوم جاء. ولخير البشرية يدعو الدعاة لتحكيم هذا المنهج اليوم وغدا. بل الأمر اليوم ألزم، والبشرية بمجموعها تعاني من النظم والمناهج التي انتهت إليها ما تعاني. وليس هناك منقذ إلا هذا المنهج الإلهي، الذي يجب أن يحتفظ بكل خصائصه كي يؤدي دوره للبشرية وينقذها مرة أخرى. لقد أحرزت البشرية انتصارات شتى في جهادها لتسخير القوى الكونية. وحققت في عالم الصناعة والطب ما يشبه الخوارق بالنسبة للماضي وما تزال في طريقها إلى انتصارات جديدة .. ولكن ما أثر هذا كله في حياتها؟ ما أثره في حياتها النفسية؟ هل وجدت السعادة؟ هل وجدت الطمأنينة؟ هل وجدت السلام؟ كلا! لقد وجدت الشقاء والقلق والخوف.. والأمراض العصبية والنفسية، والشذوذ والجريمة على أوسع نطاق! إنها لم تتقدم كذلك في تصور غاية الوجود الإنساني وأهداف الحياة الإنسانية.

أيها المؤمنون:

وحين تقاس غاية الوجود الإنساني وأهداف الحياة الإنسانية في ذهن الرجل المتحضر المعاصر، إلى التصور الإسلامي في هذا الجانب، تبدو هذه الحضارة في غاية القزامة! بل تبدو لعنة تحط من تصور الإنسان لنفسه ومقامه في هذا الوجود، وتسفل به، وتصغر من اهتماماته ومن أشواقه! .. والخواء يأكل قلب البشرية المكدود، والحيرة تهد روحها المتعبة .. إنها لا تجد الله .. لقد أبعدتها عنه ملابسات نكدة. والعلم الذي كان من شأنه، لو سار تحت منهج الله، أن يجعل من كل انتصار للبشرية في ميدانه خطوة تقربها من الله، هو ذاته الذي تبعد به البشرية أشواطا بسبب انطماس روحها ونكستها .. إنها لا تجد النور الذي يكشف لها غاية وجودها الحقيقية فتنطلق إليها مستعينة بهذا العلم الذي منحه الله لها ووهبها الاستعداد له. ولا تجد المنهج الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون، وفطرتها وفطرة الكون، وقانونها وناموس الكون. ولا تجد النظام الذي ينسق بين طاقاتها وقواها، وآخرتها ودنياها، وأفرادها وجماعاتها، وواجباتها وحقوقها .. تنسيقا طبيعيا شاملا مريحا” .. (لم ينته الاقتباس).

أيها المؤمنون:

وهذه البشرية هي التي يعمل ناس منها على حرمانها من منهج الله الهادي. وهم الذين يسمون التطلع إلى هذا المنهج “رجعية!” ويحسبونه مجرد حنين إلى فترة ذاهبة من فترات التاريخ .. وهم بجهالتهم هذه أو بسوء نيتهم يحرمون البشرية التطلع إلى المنهج الوحيد الذي يمكن أن يقود خطاها إلى السلام والطمأنينة، كما يقود خطاها إلى النمو والرقي .. ونحن الذين نؤمن بهذا المنهج نعرف إلى ماذا ندعو.

أيها المؤمنون:

إننا نرى واقع البشرية النكد، ونشم رائحة المستنقع الآسن الذي تتمرغ فيه ونرى هنالك على الأفق الصاعد راية النجاة تلوح للمكدودين في هجير الصحراء المحرق، والمرتقى الوضيء النظيف يلوح للغارقين في المستنقع, ونرى أن قيادة البشرية إن لم ترد إلى هذا المنهج فهي في طريقها إلى الارتكاس الشائن لكل تاريخ الإنسان، ولكل معنى من معاني الإنسان! وأولى الخطوات في الطريق أن يتميز هذا المنهج ويتفرد، ولا يتلقى أصحابه التوجيه من الجاهلية الطامة من حولهم .. كما يظل المنهج نظيفا سليما. إلى أن يأذن الله بقيادته للبشرية مرة أخرى. والله أرحم بعباده أن يدعهم لأعداء البشر، الداعين إلى الجاهلية من هنا ومن هناك! .. وهذا ما أراد الله سبحانه أن يلقنه للجماعة المسلمة الأولى في كتابه الكريم, وما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمها إياه في تعليمه القويم”. (انتهى الاقتباس).

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي