Take a fresh look at your lifestyle.

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا ح29 النداء الثالث عشر الأمر بتقوى الله تعالى، والاعتصام بحبله المتين (2)

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون* واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفر‌قوا واذكر‌وا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفر‌ة من النار‌ فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون). (آل عمران 102)

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثالث عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثانية بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). نقول وبالله التوفيق:

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: “والنص القرآني يعمد إلى مكمن المشاعر والروابط: “القلب” .. فلا يقول: فألف بينكم. إنما ينفذ إلى المكمن العميق: (فألف بين قلوبكم). فيصور القلوب حزمة مؤلفة متآلفة بيد الله وعلى عهده وميثاقه. كذلك يرسم النص صورة لما كانوا فيه. بل مشهدا حيا متحركا تتحرك معه القلوب: (وكنتم على شفا حفرة من النار) .. وبينما حركة السقوط في حفرة النار متوقعة، إذا بالقلوب ترى يد الله، وهي تدرك وتنقذ! وحبل الله وهو يمتد ويعصم. وصورة النجاة والخلاص بعد الخطر والترقب! وهو مشهد متحرك حي تتبعه القلوب واجفة خافقة، وتكاد العيون تتملاه من وراء الأجيال!

 

أيها المؤمنون:

وقد ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج. وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلا معه، وأمره أن يجلس بينهم، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم “بعاث”! ففعل. فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بأشعارهم. وطلبوا أسلحتهم. وتوعدوا إلى “الحرة” .. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم، فجعل يسكنهم، ويقول: “أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم” وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم. وكذلك بين الله لهم فاهتدوا، وحق فيهم قول الله سبحانه في التعقيب في الآية: (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).

 

فهذه صورة من جهد يهود لتقطيع حبل الله بين المتحابين فيه، القائمين على منهجه، لقيادة البشرية في طريقه .. هذه صورة من ذلك الكيد الذي تكيده يهود دائما للجماعة المسلمة، كلما تجمعت على منهج الله واعتصمت بحبله. وهذه ثمرة من ثمار طاعة أهل الكتاب. كادت ترد المسلمين الأولين كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض. وتقطع بينهم حبل الله المتين، الذي يتآخون فيه مجتمعين.

وهذه صلة هذه الآية بالآيات قبلها في هذا السياق. على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة. فهي تشي – مع ما قبلها في السياق وما بعدها – بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة، وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل.

والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب، ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم، ومن التفرق كما تفرقوا .. هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة، ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار .. وهو دأب يهود في كل زمان. وهو عملها اليوم وغدا في الصف المسلم، في كل مكان”! (انتهى الاقتباس).

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.