كلمة بمناسبة ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم- الأستاذ أبي إبراهيم
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2. صدق الله العظيم.
الحمد لله حمد الشاكرين, والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين, خاتم الأنبياء, وأشرف المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى أله وصحبه ومن تبعه وسار على دربه, واقتفى أثره, واستن بسنته, واهتدى بهديه إلى بوم الدين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتنا الكرام:
أحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
بادئ ذي بدء, وفي مقدمة حديثنا عن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم نقول وبالله التوفيق: إعتاد المسلمون في هذا اليوم من كل عام الثاني عشر من ربيع الأول، الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف صلوات ربي وسلامه عليه.
وإنني إذ أتكلم في هذه المناسبة، أود أن أبين أنه لا يجوز للمسلمين أنْ يحتفلوا إلا فِي عيدين اثنين هما: عيد الأضحى, وعيد الفطر, فقد نهانا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم صاحبُ هذه الذكرى عن اتباع اليهود والنصارى, وتقليدهم في أعيادهم.
فقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سَـنن من كان قـبلكم, حذو القذة بالقذة, شبرًا بشبر, وذراعًا بذراع, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتـموه, قــلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟».(( أي فمن غيرهم )).
وقال عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن: «لا بارك الله في أمة كثـرت أعيادها».
ولكن، إخوة الإيمان، لقد درجت الأمم والجماعات على أن تقف وهلة عند بعض أيامها, تراجع فيها سير عظمائها تكريمًا لهم واحتفاء بهم, وقيامًا بحقوق الوفاء نحوهم, وتقديرًا للخير الذي قدموه لأممهم. ولئن كان الناس قد اعتادوا أن يحتفوا ويهتموا بتاريخ عظمائهم, فالرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه هو أولى الناس بهذا الاحتفاء وهذا الاهتمام. وكيف لا وقد قال الله في حقه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107.
كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم قائــدنا ورائدنــا؟
كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنـا وأسوتنـا؟
كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم حبيبنا وعظيمنا؟
اللهم شفعه فينا, واسقنا من حوضه بيده الشريفة, شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا, واحشرنا في زمرته بالفردوس الأعلى, مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقا.
لذلك إخوة الإيمان فإن احتفاءنا واهتمامنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مستمر ومتواصل يشمل كل أمر من أمورنا, وكل لحظة من لحظات حياتنا, لأننا مأمورون باتباعه, قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ….}آل عمران31. وقال تعالى: {….. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ……}الحشر7
أحبتنا الكرام:
الثاني عشر من ربيع الأول كان يومًا عظيمًا, ينوء بحمل تاريخ كبير من أمجاد هذه الأمة, يوم يحمل ينبوع وجودها, وسر أمجادها, ومبعث عزتها, وروح وحدتها!
كان يومًا ارتسم على شمسه الباب العظيم الذي دخلت منه الأمة التاريخ, ثم تبوأت عرشه, وقد كانت قبل ذلك ملقاة على هامشه, شاردة وراء سوره, ذلك لأنه كان يوم المولد النبوي الشريف.
يصف المؤرخون والرواة يوم مولده فيقولون: كان منعطفـًا تاريخيـًا حاسمًا, لأنَّ ميلادَه صلى الله عليه وسلم ميلادُ أمة. لقد أتى على الجزيرة العربية حين من الدهر كانت فيه حال العرب يأباها كل ذي طبع سليم. ولندع شاهد عيان يصف حالهم آنذاك: فعندما هاجر المسلمون إلى الحبشة, استدعى النجاشي ملكها، المسلمين, وسألهم عن سبب مخالفتهم دين قريش, فردَّ عليه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قائلا ً:
«أيها الملك, كنا قومًا أهل جاهلية وشرك, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الأرحام, ونسيء الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف, فكنا على ذلك, حتى بعث الله إلينا رسولا ً منا, نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه, فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده, ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه الحجارة والأوثان ….».
ولا يخفى عليكم إخوة الإيمان كم لاقى عليه السلام من صنوف العذاب, كي يرتد عن دينه، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه, كان يلاقي كل ذلك بقوله: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». حتى إذا ادلهمت عليه الخطوب رفع بصره إلى السماء, وأخذ يضرع إلى الله يستمد منه العون والتأييد: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني على الناس, أنت أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي … إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي, غير أن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحلَّ عليَّ غضبك, أو ينزل بي سخطك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا َّ بك».
واستمرَّ النبي الكريم في دعوته غير آبه, ولا مكترث بما يلاقيه من صنوف العذاب, فأنار من الجهال عقولهم, وجمع من الأعراب أشتاتهم, فكانوا خير أمة أخرجت للناس, وطافوا مشارق الأرض ومغاربها أبطالا ً فاتحين, فخضعت لهم الأمم, واعترفت بفضلهم الشعوب.
وما أشبه الليلة بالبارحة, والتاريخ يعيد نفسه, فلقد عدنا أعرابًا جاهليين, وأصبحنا نستمرئ الذل والهوان! ما هذا القلق الذي نعاني, والبلاء الذي نعيش, والمصيبة التي ما تركت شيئـًا إلا وأتت عليه, والعقلاء منا ـ إن كان ثمة عقلاء ـ يكاد التيار يجرفهم, والبغضاء تلحقهم. لقد أصبحنا كالقطيع لا نعيش إلا َّ تابعين, ولا نحيا إلا َّ موجهين, ترسم لنا الطريق, ونبحث عن سند وصديق, فساستنا الأمم, واقتسمتنا الدنيا! وصار الإسلام غريبًا تمامًا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «بدأ الدين غريبًا, وسيعود غريبًا كما بدأ, فطوبى للغرباء, فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس».
حكم بغير ما أنزل الله! وتعطيل لأحكام الله! وإيقاف للجهاد في سبيل الله! وصد وإعراض عن دعوة الله! واحتلال واغتصاب للأوطان! وهتك للأعراض! وقتل للنساء والشيوخ والأطفال! وهدم للبيوت فوق رؤوس ساكنيها! وهدم وحرق للمساجد! واستباحة للمقدسات! وشتم للنبي صلى الله عليه وسلم! وتمزيق للقران! وطعن في الإسلام! واعتداء على المسلمين في كل مكان!
يحدث كل هذا إخوة الإيمان على مرأى ومسمع من المسلمين, وتمر علينا ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم سنة بعد سنة, وعامًا بعد عام, ويحتفل المسلمون بهذه الذكرى ولا زالت أحكام الله تعالى, وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم معطلة, وجيوش المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها رابضة في ثكناتها, لا تحرك ساكنـًا, فإلى متى سيظل حالنا على ما هو عليه؟ هل يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفال المسلمين في يوم مولده وحالهم هذا الحال؟ أما آن لنا أن نرعوي عن غينا؟ أم أنَّ الله سيستبدلنا؟ تحقيقـًا لقوله تعالى: {… وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38.
ورحم الله من قال:
يا سيــد الخلــق دنيـاك التـي اغتســلت بالطهـــر عـــاد إليهـــا الإثــم يعتـــور
مسـراك مسـراك جــال المعتـدون بــه والنــار في المنبـر المحـزون تستعــر
والـــدار خلـــف شفــار البغــي نائيـــة والصـوت منكسـر والطـرف منحســر
هــــل نفــــرة كالتــي مـــن يثــــرب؟ حطمت هام الطغاة ودوى بعدها الظفر
إخوة الإيمان:جدير بنا ونحن نستذكر ميلاد نبينا العظيم أن نجعله قدوة لنا في حياتنا كلها, فسيرة الرسول الكريم مليئة بالدروس والعبر, والله سبحانه وتعالى قد أمرنا باتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال عز من قائل: {….. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ……}الحشر7, وقال في موضع آخر: ]{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }آل عمران132، وقال كذلك: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن ….. }النساء80
إخوة الإيمان: حري بالأمة الإسلامية أن تراجع حسابها مع نفسها, وأن تتخذ من هذه الذكرى ما يحفزها إلى العودة إلى دينها القويم, والتمسك بالكتاب الكريم, وما فيه من الهدى والرشاد والحكمة.
حري بالأمة الإسلامية أن تحرص على ما حرص عليه نبيها الكريم صلى الله عليه وسلم صاحب هذه الذكرى, فتعمل مع العاملين لإقامة الخلافة بكل إخلاص وجد.
حري بالأمة الإسلامية خصوصًا أهل القوة فيها أن تنصر دين الله بالعمل مع حزب التحرير وتمكينه من استلام الحكم, كي ترضي ربها, وتسترد مجدها, وتستعيد ماضي عزها, وتطرد عدوها من أرضها المغتصبة, وإنَّ الله على هدايتها, وجمع صفوفها, وتوحيد كلمتها إذا يشاء قدير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي».
وختاماً إخوة الإيمان: نسأله سبحانه في هذا اليوم المبارك أن يقر أعيننا بإقامة دولة الخلافة, وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الكريم, واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم, واستجب دعاءنا إنك أنت العلي العظيم.
فالسلام عليك يا سيدي يا رسول الله, يوم ولدت, ويوم مت, ويوم تبعث حيًا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.