من أروقة السنة النبوية حبس رسول الله ومن معه في شعب أبي طالب
ذكرت صحيفة قرشية علقت في سقف الكعبة ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة أن أكابر قريش قد أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف، ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من نتائج ذلك القرار أن انحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم؛ إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محصورين مضيقاً عليهم، مقطوعاً عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجهد.
_______________________________________
إن الابتلاء للمؤمنين هو من سنن الله عز وجل، وإن النصر والتمكين في الأرض يتحقق بعد العمل الجاد والمخلص الملتزم بفكرته وطريقته، والصبر والثبات على الحق الذي أمر الله به، إلى أن يأذن الله سبحانه بالنصر، فيتحقق راسخا متجذرا في عقول وقلوب العاملين الصادقين، ويضرب جذوره في الأرض ليمكث فيها نورا يهدي به الله من يشاء.
وإن الناظر إلى الممارسات القمعية التى مارسها النظام القرشي بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتلته الصادقة المؤمنة، ومحاولاتهم المتتالية لصرف أذهان الناس عن الإيمان والتصديق بوعد الله سبحانه، واستخدامهم كافة السبل السياسية والفكرية والأمنية والاقتصادية من أجل تقويض هذه الدعوة والقضاء عليها، يدرك مدى التخوف الذي أصاب هذا النظام من دعوة الإسلام، وأنه رأى في هذه الدعوة تقويضا لأركانه الهشة، ونذيرا بفناءها واندثارها إلى غير رجعة، مما جعله لا يتوانى عن القيام بكافة الإجراءات المتاحة لتحقيق أهدافه.
وبالرغم من أن الكتلة العاملة المخلصة لإقامة الدولة الإسلامية الأولى بقيادة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كانت ملتزمة بالعمل السياسي والفكري السلمي في المجتمع المكي، ولم تتخذ من الأعمال المادية سبيلا لإيصال فكرتها، ولم تعمل على التصادم مع النظام بقوة السلاح، بل التزمت بطرح الأفكار الصحيحة ودحض الأفكار الباطلة، إلا أن الطرف الآخر من المعادلة، وهو النظام القمعي في قريش، استخدم القوة والبطش والإغراءات المادية والمعنوية، وسخر الإعلام المتاح له داخليا وخارجيا، وأبدع بالتضليل السياسي والفكري لتشويه صورة الدعوة الإسلامية، ومحاولة حرفها عن مسارها لا سيما بعد أن أدرك عدم إمكانية القضاء عليها.
إن الهزيمة والفناء والاندثار هي حتمية لكل نظام طاغوتي، سواء أكان ذلك في الجاهلية الأولى يوم انتصر الإسلام وحققت الدعوة بناء صرحها الشامخ الأول في المدينة المنورة، لترسم أبهى صورة عرفها التاريخ البشري، من العمل السياسي السلمي المنتج والموصل حتما للتغيير الجذري. أم كانت الهزيمة والاندثار لهذه الأنظمة الطاغوتية الجاثمة على صدور الأمة الإسلامية حاليا. والتى يصح أن نطلق عليها الجاهلية الثانية، من زاوية تطبيقها لأحكام الكفر وفرضها الرؤى الغربية على أبناء الأمة الإسلامية، وعملها الدؤوب لإبقاء العلاقات بين الناس على أساس غير إسلامي لتحافظ بذلك على مصالح الدول الاستعمارية في بلاد المسلمين .
لذلك تجد الفئة المخلصة من أبناء الأمة الإسلامية، المتلبسة بالعمل الجاد والمخلص لإقامة الدولة الإسلامية، تجدها واثقة من وعد الله سبحانه، متيقنة من نصره، صابرة على لأواء الظلمة، مستعينة بالله وحده، ثابتة على الحق، تذلل الصعاب وتحطم الصخور، ترتسم خطاها من الإسلام العظيم، وتسير بطريقة الرسول الكريم، لبناء صرح الإسلام الشامخ الثاني على منهاج النبوة.
أما صحيفة قريش المعلقة والتي كانت سببا في كتابة هذا المقال، فقد قضت عليها أرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم؛ إلا ذكر الله عز وجل.
فالصبر والثبات يا حملة الدعوة، فوالله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من جاكرتا إلى طنجة بلا تأشيرات دخول أو حواجز عبور.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”.
(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
كتبه أبو باسل