الطريق الشرعي لاستئناف الحياة الإسلامية – بقلم الأستاذ محمد عبد الله – ح2
والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
ذكرنا في الحلقة السابقةِ أن الجهاز التنفيذي للدولة الإسلامية يتكون من:
الخليفة، والمعاونين، والجيش، والولاة، والقضاة، والجهاز الإداري، ومجلس الشورى، فشكل الحكم فيها ليس ملكياً أو جمهورياً، ولا امبراطورياً أو اتحادياً، وإنما هو نظام الخلافة.
والآن ما الذي يجعل الدولة الإسلامية دولة فريدة من نوعها ويميزها عن غيرها إن هي طبقت نظام الخلافة:
إن الذي يجعل الدولة الإسلامية دولة فريدة من نوعها ويميزها عن غيرها إن هي طبقت نظام الخلافة يكون بأمورٍ أهمها:
أولاً: ليس للدولة الإسلامية حدود ثابتة تقف عندها ولا تتعداها، لأنها مكلفة شرعاً بوجوب حمل الإسلام إلى الناس كافة، وتطبيقه عليهم، سواء أسلموا أم لم يسلموا، فحدود الدولة الإسلامية منذ أن أنشأها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، كانت حدوداً متحركة، تضم إلى جسم الدولة كل من خضع لها، سلماً كان أم حرباً، قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، وحدود الدولة الإسلامية مفتوحة لجميع المسلمين، يدخلون إليها ويخرجون منها متى أرادوا، ولهم حق حمل تابعية الدولة أينما كانوا، إلا ما استثناه الشرع من حالات.
ثانياً: الدولة الإسلامية ملزمة بأحكام الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، فيحرم عليها التحاكم إلى غيره، كالعلمانية أو الديمقراطية، أو قوانين الأمم المتحدة، أو قرارات مؤسساتها المختلفة، لأنها أنظمة كفر، ومن ثم يحرم عليها أن تكون عضواً فيها ولو ليوم واحد، فإن فعل الخليفة ذلك، حاسبته الأمة وأنكرت عليه بالطريق الشرعي، حتى يرجع عن ذلك.
ثالثاً: إقامة أحزاب سياسية في دولة الخلافة فرض كفاية، ويجب أن تقوم على أساس الإسلام، وأن تكون علنية لا سرية، وأن تقوم بأعمال سياسية فكرية لا أعمال مادية، لقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..) وهذه الأوصاف الواردة في الآية، وهي الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالحلال، والنهي عن الحرام، هي مقومات الحزب في الإسلام، فيحرم أن يتكتل المسلمون على أساس غير الإسلام، كالعلمانية أو القومية أو الوطنية أو غيرها، لأن ذلك يتناقض والهدف الشرعي الذي تقام من أجله الدولة الإسلامية، وهو حمل الإسلام والمحافظة على عقيدته ويخالف النصوص الشرعية التي حرمت على المسلمين الدعوة إلى غير الإسلام.
رابعاً: يحرم على الدولة الإسلامية أن تجعل للكفار سلطاناً على المسلمين، وذلك بانضمامها إلى أحلاف عسكرية، أو بعقدها معاهدات سياسة أو اقتصادية أو ثقافية أو غيرها، يكون الولاء فيها للكفار لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) .
ويجب أن تعمل منذ قيامها على الاكتفاء الذاتي، وعلى اقتعاد مركز الدولة الأولى في العالم، كما دلت على ذلك أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعال الخلفاء الراشدين من بعده، لتكون دولة قائدة ومؤثرة، لا تابعة وعميلة، حتى تتمكن من حمل رسالة الإسلام إلى الناس كافة، لتنقذهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، ومن شقاء الأنظمة الوضعية، إلى عدل الأحكام الشرعية .
خامساً: اللغة العربية في الدولة الإسلامية، هي اللغة الرسمية فهي لغة التخاطب الرسمية والدولية، وهي لغة التثقيف والتعليم ووسائل الإعلام، ويرجع إلى مدلولاتها في حال حصول خلاف على نص من نصوص المعاهدات والاتفاقيات بين الدولة وغيرها من الدول، وتعلم اللغات الأخرى فرض على الكفاية تقوم به الدولة على قدر كفايتها.
سادساً: الحياة العامة في الدولة خاضعة لأحكام الإسلام، فلا يسمح لأي مظهر جماعي غير إسلامي، كعيد النيروز، أو عيد الميلاد، أو عيد رأس السنة، ولا يسمح لأي فرد مواطناً كان أم معاهداً أم سفيراً، أن يخالف أحكام الإسلام في الحياة العامة، في لباسه أو في سلوكه، وإن لم يكن مسلماً.
هذه الأسس والمميزات، يجب أن تكون مدركة وواضحة لدى المسلمين اليوم، لكي يستطيعوا الحكم على أي دولة تزعم أنها دولة إسلامية، الحكم الصحيح. وعلى المسلمين أن لا ينخدعوا بالشعارات والمسميات التي تخالف المضمون الشرعي، لأن طريقة الإسلام في الحكم واحدة، لا تتغير ولا تتعدد، مهما تغيرت الظروف، ومهما تعاقبت القرون، (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله..).
فواقع الدولة الإسلامية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده هو المقياس الشرعي لواقع الدولة إن كانت إسلامية أو غير إسلامية، والحياة التي عاشها المسلمون فيها، هي الحياة الإسلامية النموذج، التي يعمل حملة الدعوة لاستئنافها، فإن كان مثل هذه الحياة موجوداً في إحدى الدول التي تزعم أنها إسلامية، فلا داعي لحمل الدعوة من أجل استئناف الحياة الإسلامية، وإنما يجب العمل لضم الأقطار الإسلامية إلى هذه الدولة، وهذا واقع غير موجود، فكل بلاد المسلمين اليوم دار كفر، ويعيش أهلها حياة غير إسلامية، فيجب العمل فيها جميعها لاستئناف الحياة الإسلامية، وذلك بإيجاد الدولة الإسلامية، وهو نفس العمل الذي قام به رسول صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
وعلى الأحزاب والجماعات التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، أن تعيد النظر في دراسة الواقع الذي تريد تغييره. وفي الطريق الذي تسير عليه، لتتأكد من أنها الطريق الشرعي الذي رسمه رب العالمين عن طريق الوحي، والذي سار عليه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حتى أوجد أول حياة إسلامية في المدينة المنورة، بإقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، التي عمرت ثلاثة عشر قرناً ونيفاً، بصرف النظر عن سوء التطبيق الذي حصل من بعض الحكام، لأن المسلمين في هذه القرون لم يطبقوا غير الإسلام، ولم يحتكموا لغير الإسلام، في شؤون حياتهم، فقد كانت دولتهم إسلامية، حياتهم إسلامية في نظرهم وفي نظر غيرهم.
وقد يقول بعضهم: بغض النظر عن الدار، وعن الدولة، فإن المجتمع في البلاد الإسلامية، مجتمع إسلامي، فأفراده مسلمون، يعتنقون العقيدة الإسلامية، ويلتزمون ببعض الأحكام الشرعية، كالعبادات والمطعومات وبعض المعاملات، .. إلا أن المجتمع الإسلامي هو مجتمع متميز، كالحياة الإسلامية، لا يوجد إلا في دار الإسلام، لأن مكوناته الأربعة وهي الأفكار والمشاعر والأنظمة والأفراد، يجب أن تكون من جنس واحد، يستند إلى عقيدة واحدة، وهي العقيدة الإسلامية، بينما المجتمعات الموجودة في أقطار المسلمين مجتمعات غير إسلامية، وغير متميزة، لأن محتواها من الأفكار والمشاعر والأنظمة خليط من الإسلام والرأسمالية والاشتراكية، والقومية والوطنية، فلا لون لها، فيطلق على كل مجتمع فيه اسم البلد الذي يعيش فيه، كالمجتمع المصري والتركي والإيراني، بينما المجتمع المتميز يطلق عليه اسم المبدأ الذي يحمله ويحتكم إليه في جميع شؤون حياته، كالمجتمع الرأسمالي، والمجتمع الشيوعي، والمجتمع الإسلامِيِّ الذي يسعى حملة الدعوة لإيجاده في واقع الحياة.
نشكر لكم حسن استمتعكم وتواصلكم معنا وإلى نلتقي معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.