Take a fresh look at your lifestyle.

مقالة من مصائب الحضارة الغربية التشرد (العيش بلا مأوى)

100 مليون شخص في العالم لا مأوى لهم يسكنونه، والغالبية العظمى منهم يعيشون في بلدان ديمقراطية رأسمالية. وسواء أكانت هذه الدول كبيرة أم صغيرة، غنية أم فقيرة فإن الديمقراطيات في العالم عاجزة عن تأمين منزل يؤوي مواطنيها.

إن ثلاثة أرباع أولئك الذين لا مأوى لهم في العالم هم من الهند التي تعتبر أكبر ديمقراطية في العالم. وعلى الرغم من أن الفقر هو السبب الأساسي للتشرد (انعدام المأوى) فإن الهند لا تنقصها الثروة: إن لدى أغنى 100 شخص في العالم ثروة إجماليها 250 بليون دولار وفقا لمجلة الفوربِس، آذار 2013، والشخص الذي يأتي في المرتبة الثانية والعشرين في الغنى والثروة هو، موكِش أمباني، من الهند. وفي عام 2012 بنى المنزل الأعلى كلفة في العالم بتكلفة بليون دولار.

 

ويبلغ ارتفاع هذا المنزل والذي أسماه “أنتيليا” 174 مترا ومساحته أكبر من مساحة قصر لويس الرابع عشر في فرساي، فرنسا. ووفقا لاقتصاديات السوق الحر التي يطلقها دعاة الرأسمالية فإن الثروة المنتجة ستنساب تدريجيا من الغني إلى الفقير، وفي حين أن هذا قد يكون صحيحا فيما يتعلق بالـ600 موظف الذين يديرون أمور منزل موكِش أمباني فإنه من الصعب أن نتصور كيف سينساب هذا التركيز في الثروة إلى باقي الـ1.24 بليون شخص في الهند.

وبالانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر نفسها قائدة “العالم الحر” فإننا نرى أيضا مشكلة المشردين عديمي المأوى في الصيف والشتاء، وتحت المطر وأشعة الشمس يستجدون الطعام وينامون في صناديق من الورق المقوى تصطف في شوارع أمريكا. وفي أي سنة ودون تحديد، هناك 1% من سكان أمريكا بلا مأوى و10% من هؤلاء يعتبرون بلا مأوىً بشكل دائم مزمن. وفي أحدث الإحصائيات في تقرير لعام 2013 ظهر أن 633,782 من الأمريكيين كانوا بلا منزل يؤويهم.

وكشفت إحصائية في أستراليا لعام 2006 أن 150,000 من أصل 20 مليون مواطن كانوا دون مأوى. وقد اعتبر 200,000 من المواطنين في كندا بلا مأوى في فترة معينة في العام الماضي وفقا لتقرير صدر مؤخرا “وضع التشرد (انعدام المأوى) في كندا 2013” هذا مع حوالي 30,000 مشرد عديم المأوى في أي وقت من العام. أما في أوروبا، فهناك 3 مليون مشرد بلا مأوى. وواحد من هؤلاء بحسب صحيفة “لا ستامبا” وهو دومينيكو كوديسبوتي، كانت قد حكمت عليه محكمة إيطالية “بالإقامة الجبرية” لكنه كان بلا منزل ليُقام عليه الحكم فيه، وقد كانت الشرطة تأتي وتتفقده كل ليلة للتأكد من أنه ينام على نفس القطعة من الرصيف في ميلان إلى أن تنتهي مدة عقوبته في نيسان 2014!!

وقد ذكرت صحيفة الجارديان في حزيران 2013 أن 6,437 من الناس كانوا ينامون على شوارع لندن. وقد وصف ويليام بووث مشهد أناس بلا مأوى قبل قرنين من الزمن في 1890 مبينا أن هذا المشهد سيصبح طبيعيا مألوفا لأي زائر للندن في القرن الواحد والعشرين: “لا يزال هناك عدد كبير من أهل لندن… الذين سيجدون أنفسهم عند حلول الظلام معدمين محتاجين. هؤلاء سيفترشون الآن مقاعد وأسرة تحت الأشجار على الجسر.. هنا حيث الدعامات الحجرية والتي ستوفر لهم حماية ضئيلة من الريح القارصة سنجد عشرات الرجال مستلقين جنبا إلى جنب، متجمعين سويا يبحثون عن الدفء ولا غطاء لهم إلا ملابسهم العادية التي يلبسونها”.

إن علماء النفس والاقتصاديين الغربيين يحاولون تفسير أسباب التشرد وانعدام المأوى بأنها: الفقر، الأمراض العقلية، الإعاقة، البطالة، إدمان الكحول، تعاطي المخدرات، العنف المنزلي وهلم جرا. وقد وعد الساسة الغربيون بحل المشكلة بتقديم مبادرات جديدة تهدف إلى معالجة الأسباب التي أدت لهذه الظاهرة، لكن وبعد مئات السنين من البؤس الإنساني لا ينبغي لأحد أن يصدقهم.

لقد فشلت الحضارة الغربية في تأمين مسكن لكل المواطنين واتبعت أيديولوجية معيبة خاطئة تزعم فيها أن تطبيق مبادئ نظرية لحل “المسببات” للمشاكل قد يعالج بعضا منها كمثل التشرد وانعدام المأوى، وأنه عندما تفشل “خطط العمل” و”المبادرات الجديدة” في حل المشكلة فإن هذا يعني أن الأسباب التي افترضت لم تفهم بالشكل الصحيح. ومع ذلك كله فإن المشكلة الأساسية تكمن في مكان آخر. إن الحضارة الغربية تفصل بين الناس ومشاكلهم الحقيقية والمساعدة التي يحتاجونها من خلال الاعتماد على السياسات الاقتصادية والاجتماعية لنجدتهم. علاوة على ذلك، فقد قدست الديمقراطية الحريات المعنوية وعملت على تكريسها كل هذا على حساب أبسط حقوق الإنسان المادية الأساسية. ففي دفاعها عن الحرية، على سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لإنفاق بليونات الدولارات على التدخلات العسكرية في البلاد البعيدة، حتى لو جلبت هذه الحرية المزعومة الموت والدمار والخراب لأولئك الذين جُعلوا “أحرارا”. وفي الوقت نفسه، فإن الحكومة الفيدرالية الأمريكية مستعدة للبقاء مكتوفة الأيدي تنتظر أن يقوم الجوعى وعديمو المأوى من مواطنيها بالاعتماد على أنفسهم، وما تقدمه الحكومة من معونات لحل هذه المشاكل هو أقل من قليل في حين يصرف المال على الأسباب النظرية أكثر منه على الحقائق المادية الملموسة.

أما الإسلام في المقابل فقد أصر على توفير حلول مادية عملية محسوسة لأولئك الذين يعيشون في كنف وحماية دولة الخلافة الإسلامية التي تطبق الإسلام. وهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يبين ثلاثة حقوق أساسية للإنسان لا يجوز إنكارها أو تجاهلها ومن ضمنها الحق في مأوى ومسكن يقول صلى الله عليه وسلم: “لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ: بَيْتٌ يَسْتُرُهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وَجِلْفُ الْخُبْزِ، وَالْمَاءِ”. [رواه الترمذي]

وفي الفقه الإسلامي فإن هذا يعني أن الأصل أن تؤمن هذه الحقوق لكل شخص! ومع أن دولة الخلافة غائبة منذ أكثر من 89 عاما، وأن المسلمين الذين عاشوا في ظلها لأربعة عشر قرنا قد أُخضعوا للقوى الاستعمارية الغربية والحكام الذين وُضعوا لخدمة مصالح الغرب منذ هدم دولة الخلافة، مع هذه المصيبة في العالم الإسلامي وعلى الرغم من التفكك واحتلال البلاد والفقر طبعا فإن أمرا شاذا فريدا يبقى قائما وهو: أن مشكلة انعدام المأوى والتشرد لا تزال مشكلة نادرة في العالم الإسلامي.

هناك حالة واحدة مثيرة للاهتمام من الممكن أن تسلط الضوء على هذه النقطة. إذا كانت الهند هي أكبر الدول الديمقراطية والولايات المتحدة الدولة الديمقراطية الرائدة في العالم فإن “إسرائيل” دولة يهود هي الدولة الديمقراطية الأولى في الشرق الأوسط. هذه الدولة التي بنيت على هدم بيوت أهل فلسطين ومصادرة كم هائل من أراضيهم بهدف إقامة مستوطنات يهودية عليها تعاني من مشكلة المشردين عديمي المأوى، وإذا ما سرت في شوارع تل أبيب فإنك ترى اليهود لا العرب هم من ينام في صناديق من الورق المقوى. أما بالنسبة لأهل فلسطين من الضفة الغربية وغزة، والذين يمتلكون تصاريح للعمل في “إسرائيل” (دولة يهود) فإن هذا من شأنه أن يضعهم وجها لوجه مع ظاهرة أشخاص أكثر ثراء مما هم عليه يتركون إخوتهم من المواطنين للنوم في الشوارع ليلا كما هو الحال في أي دولة غربية أخرى.

إن نكبة ومصيبة التشرد وانعدام المأوى هي واحدة من السمات المميزة للحضارة الغربية، بل وواحدة من الأثمان المريرة التي دُفعت من أجل حرية موهومة زائفة، فيها على الضعيف أن يضحي بحقوقه ورفاهيته المادية لأجل مصلحة ومنفعة القوي. إن الحرية في الغرب تعني وببساطة، أن تكون حرا في أن تفشل وأن تعاني حياة قاسية مريرة وحيدا معدما في شوارع أغنى مدن العالم وأكثرها ازدحاما.

 

 

 

د.عبد الله روبين