Take a fresh look at your lifestyle.

ملكية الدولة- الأستاذ مازن كايد

مقدمة

          إنَ النظامّ الاقتصادي وكل ما يرتبط به في دولة الإسلام, يرتبط ارتباطا جذريا بالعقيدة الإسلامية, ولهذا فان اختيار النظام الاقتصادي في الإسلام من قبل دولة الإسلام هو فرض شرعا. والدولة الإسلامية ملزمة شرعا بوضع السياسات المالية والنقدية والزراعية والتجارية والصناعية و توزيع الملكيات على أساس النظام الاقتصادي في الإسلام. وهذا كله يؤخذ على أنه أحكاما شرعية واجبة التطبيق. قال تعالى { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. وكذلك إن حمل النظام الاقتصادي في الإسلام والدعوة والدعاية له هو حملاً لجانب من الإسلام له ثواب عظيم من الله تبارك وتعالى.

 

الملكية

          يتبين من استقراء الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتصاد في الإسلام, يُرى أنها مبنية على ثلاث قواعد هي: الملكية، والتصرف في الملكية، وتوزيع الثروة بين النّاس. وفهم الملكية وما يتعلق بها من وجهة نظر الإسلام ضروري لفهم النظام الاقتصادي الإسلامي.

          الملكية من حيث هيَِِ ملكية، فهي لله باعتباره مالك الملك من جهة، وباعتباره قد نص على أن المال له. قال تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ }. فالمال لله وحده، إلا أن الله سبحانه وتعالى استخلف بني الإنسان على المال، وأمدهم به، فجعل لهم حق مُلكيته، قال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}. والملكية الفعلية للفرد المعين فقد شَرِط َ الإسلام فيها الإذن من الله للفرد بتملكها. وقد بـيّن الشرع أن هناك ثلاثة أنواع من المُلكية هي: الملكية الفردية، وملكية عامة للأمة كلها، و ملكية للدولة. وهنا في هذا المقال نريد ان نركز فقط على ملكية الدولة.

 

 ملكية الدولة

          يخلط كثيرا من مفكري النظام الاقتصادي الإسلامي بين الملكية العامة وملكية الدولة, ودهب بعضهم إلى تقسيم الملكية إلى قسمين فقط: ملكية خاصة وملكية عامة. والحقيقة أن فرق بين الملكية العامة وملكية الدولة, ويمكن تعريف ملكية الدولة على أنها:- كل عين من أرض أو بناء, يقبل الملك الفردي, ولكن تعلق فيها حقٌ لعامة المسلمين, ولا تكون داخلة في الملكية العامة, فتكون ملكاً للدولة.

نعم، إن الدولة هي التي تقوم بتدبير الملكية العامة, وتقوم بتدبير ملكية الدولة, إلا أن هناك فرقاً بين الملكيَتين. وهو ما كان داخلاً في الملكية العامة, مثل النفط والغاز …, فإنه لا يجوز للدولة أن تملك أصله ُ لأحد, وأما ما كان داخلاً في ملكية الدولة من أرض, وبناء, فإن للخليفة أن يُملك الرقبة والمنفعة, أو المنفعة فقط لأفراد معينين ولا يعطي آخرين حسب ما يؤديه إليه اجتهاده لمصلحة الإسلام والمسلمين.

 

أنواع أملاك الدولة

 

النوع الأول: الصحاري, والجبال, وشواطئ البحار, وموات الأرض عير المملوكة للأفراد التي وضعت الدولة يدها عليها بوجه شرعي.

 

          جميع هذه الأراضي من صحاري وجبال, وشواطئ, وموات من آماد الدهر أو تحولت إلى موات, تكون مملكة للدولة, يتصرف فيها الخليفة وفق رأيه واجتهاده بما يرى فيه مصلحة للمسلمين. والدليل على أنها مملوكة للدولة هو تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأراضي. روى أبو عبيد عن بلال بن الحارث المزني << أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع>> . وفي رواية أخرى << أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني ما بين البحر والصخر>>. وعن عمرو بن دينار قال: << لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع أبا بكر, واقطع عمر>>. << كما أقطع الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام أرضا واسعة, وأقطعه أرضا فيها شجر ونجل >> رواه أبو يوسف وأبو داود. فهذا الإقطاع وغيره من الرسول صلى الله عليه وسلم يدل دلالة واضحة على أنها أراضا مملوكة للدولة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مالكا لشيء منها ملكا خاصا وأنه تصرف بها بوصه حاكما وحق التصرف بهذه الأراضي انتقل إلى الخلفاء من بعده, لذلك فإن الخلفاء الراشدين من بعده كانوا يقطعون الناس لفهمهم أن الصحاري, والجبال, والموات, مملوكة للدولة.         

 

النوع الثاني: البطائح

 

          هي الأراضي الواطئة التي تغمرها المياه, مثل البطائح التي كانت موجودة بين الكوفة والبصرة, والتي غمرتها مياه دجلة والفرات. هذه الأراضي تأخذ حكم الموات, وإن سبق أن كانت عامرة, وتكون ملكاً للدولة ما دامت ليست مملوكة لأحد.

 

  النوع الثالث: الصوافي

 

          هي كل أرض يقرر الخليفة ضمها إلى بيت المال من أراضي البلاد المفتوحة, التي جلا أهلها عنها أو كانت للدولة التي فتحت, أو لحكامها, وأمثالها. والدليل على أن الصوافي خالصة لبيت المال مملوكة للدولة, هو فعل عمر بن الخطاب في سواد العراق. << أصفى عمر بن الخطاب من أهل السواد عشرة أصناف: أرض من قتل في الحرب, و أرض من هرب, وكل أرض كانت لكسرى, وكل أرض كانت لأحد من أهله, وكل مغيض ماء, وكل دير بريد, وأربع خصال كانت للأكاسرة نسيها الراوي >> رواه أبو يوسف      

 

النوع الرابع: الأبنية والمسقفات

 

          هي كل قصر, أو بناء, أو مسقف تستولي عله الدولة في البلاد التي تفتحها, وكان مخصصا لأجهزة الدولة المفتوحة (دوائرها, مدارسها, مصانعها, مستشفياتها, … ). وكذلك ما كان مملوكا لحكامها, أو قادتها, أو لمن قتل بالحرب, أو هرب من الحرب. تكون لبيت المال مملوكة للدولة     

 

النوع الخامس: ما كان أصله من بيت المال و مخصصا لأجهزة الدولة

 

كل بناء, أو مسقف, أو مصنع, أو دائرة, أو مدرسة, أو مستشفى, تم بنائه من قبل الدولة, أو أهدي للدولة, أو ممن لا وارث له, أو لمرتد مات أو قتل على ردته. :ل هذا يكون مملوكا للدولة.

 

الانتفاع بأملاك الدولة ووارداتها

 

  الدولة هي التي تتولى القيام باستغلال أملاك الدولة عليه و وارداتها على أعلى مستوى, بما فيه مصلحة للمسلمين, ويجب عدم تعطيل أملاك الدولة ووارداته. ولكن استغلال أملاك الدولة لا يعني أن تتصرف الدولة تصرف التجار, ورجال الأعمال. إن الاستغلال يجب أن يظهر عليه رعاية الشؤون ومحققاً لمصلحة الإسلام والمسلمين وليس الكسب فقط.

          واستغلال أملاك الدولة يكون بطرق عده منها:

1.    البيع, أو التأجير. للدولة أن تبيع, أو تؤجر أي من أملاكها من أرض, أو بناء, حسب ما يتراءى لها فيه مصلحة للإسلام والمسلمين. يمكن أن تمكن المسلمين الانتفاع من الأراضي لإقامة مساكن, أو أسواق, أو حظائر للأبقار والماشية, أو مصانع.

2.    استغلال الأراضي, الزراعية العامرة, أو المشجرة حسب أحكام ألإسلام.

3.    إحياء البطائح, والمستنقعات, والغياض, بحبس الماء عنها, حتى تعود صالحة للزراعة.

4.    إقطاع الأرض. للخليفة أن يقطع من أراضي الدولة, حسب ما يرى مصلحة للإسلام والمسلمين. فله أن يقطع من الأراضي العامرة, أو الميتة. فقد أقطع الرسول كما ورد سابقا وكذلك الصحابة من بعده.

5.    إحياء الأرض الميتة و التشجيع عليه, سواء كان للسكنى, أو لإقامة مصانع, أو للزراعة, أو لوضع الحيوان. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:<< من أحيا أرضا ميتة فهي له >> رواه البخاري