الرأي الثالث هو الإسلام
لقد عملت الرأسمالية، وبطريقتها المقيتة والفاسدة في التفكير، على حصر الآراء في رأيين اثنين، إما معي أو معك، إما لي أو لك، أنت معي أو عليّ، ولذلك كان التفاعل فيما جرى في مصر وفي سوريا من طرح الرأي الثالث الذي بيّنه وحمله ووضّحه حزب التحرير أمرٌ غريب على كثير من الناس، والحركات؛ وذلك لأنهم لم يتعودوا ولم يألفوا الرأي الصائب (الثالث) الذي يعبر عن الصواب والحقيقة، وكذلك الرأي المستند على النظر للواقع لعلاجه، وليس للأخذ منه وجعله مصدرًا تُتّخذ الأحكام منه .إن حزب التحرير يثبت وفي كل يوم أنه الرائد الحقيقي الذي يصدق أهله على الدوام، وهو الناصح المخلص الذي يجدّ ويجتهد لأمته بجميع أطيافها السياسية، وبجميع مكوناتها الفكرية؛ فهو قد وقف المواقف الصعبة على مدى ستين عامًا، عندما تبنى مصالح الأمة فبيّن لها أحكام الله تعالى، فواجه في سبيل ذلك ما واجه ولكنه صبر واحتسب. وكذلك وقف في وجوه الطغاة من الحكام وأنظمتهم المجرمة، فكشف خططهم وتآمرهم على الأمة، بدءًا من تآمرهم على هدم دولة الخلافة حين تآمروا عليها بالثورة العربية الكبرى، واستمرارًا بإخضاع الأمة مباشرة للمستعمر الكافر وتقسيمها بسايكس بيكو، مرورًا بمسرحية الاستقلال المزعوم الذي رسخ وجود العملاء لرعاية مصالح الغرب مباشرة، وبإدخال الأمة في صراعات داخلية قسمت البلاد طائفيًّا فشردت العباد كما حصل في العراق السودان، وبمسرحية تسليم فلسطين ليهود، وهزيمة 67 وتآمر جمال عبد الناصر بحروب التحريك، وصولا إلى تآمر هذه الأنظمة العميلة على إدخال الأمريكان منطقة الخليج وسيطرتها على المنطقة. وكذلك تآمر هذه الأنظمة المجرمة على حركة الأمة في ما يسمى بالربيع العربي، محاولة لحرفها عن مسارها الطبيعي، وهو أن تصل الأمة من خلال المخلصين من أبنائها إلى الحق الذي يمكّنها من استعادة سلطانه. فكان الغرب، وعبر جميع أدواته، يعملون لحرفها باتجاه الديمقراطية والدولة المدنية، وكان حزب التحرير يقف في الطرف المقابل يدعو الأمة لنبذ الديمقراطية والدولة المدنية، ويبين حكم الله تعالى فيها وبأنه لا يجوز أخذها أو الدعوة إليها، موضحا في الوقت نفسه الحل الجذري وهو إقامة الخلافة الإسلامية.
وكذلك وقف الحزب أمام جميع أنظمة العالم وأمام جميع أجهزة الإعلام وأبواقه، وأمام جميع أدوات البطش والتنكيل متحديًّا سافرًا، داعيًا الأمة في الشام لإقامة خلافتها بعد إسقاط النظام المجرم. وكذلك كان موقفه من الاستعانة بالغرب الكافر أنه لا يجوز شرعا، لا للثوار ولا لغيرهم، أن يستجيروا من رمضاء نظام بشار بنار الاستعمار، ومع ذلك كان موقفه ظاهرًا من نظام المجرم بشار الأسد عميل أمريكا. فكان رأي الحزب رأيا ثالثا وهو: وجوب العمل لإسقاط نظام بشار المجرم وجميع الأنظمة العميلة، وإقامة كيان سياسي واحد يجمع الأمة ألا وهو الخلافة الإسلامية، التي توحد المسلمين وتحفظ حقوقهم، وكذلك عدم جواز العمل مع الغرب الكافر. وكذلك كان موقفه في مصر، عندما وقف أمام موجة الاستقطاب السياسي والمشاعري المتلاطم على عقول ومشاعر المسلمين فيها، فوقف موضحًا وناصحًا وموجّهًا المسلمين للوصول بثورتهم إلى الخلافة، مخالفًا بذلك جميع التيارات التي تسمى بتيارات الإسلام المعتدل التي أخذت بالنظام الرأسمالي والديمقراطية ومدنية الدولة أساسًا للحكم، فبيّن خطر ما قامت به على الأمة وعلى نفسها عندما خالفت أمر الله تعالى. كذلك وقف عندما انقلب الجيش والشعب على الحكام الجدد بدعم أمريكا لهم، وقف مُبديًا رأيًا ثالثًا وهو: أن كلا الطرحين لا يجوز شرعا؛ فلا شرعية للحكم بغير ما أنزل الله تعالى، ولا تأييد لمن أخذ الضوء الأخضر من أمريكا لينقلب على الحكم ترسيخا لعميل جديد.
إن حزب التحرير وبمواقفه الواضحة المستندة إلى العقيدة الإسلامية يمثل حالة الوعي في الأمة، كما يمثل حالة الذاكرة التي وقفت تسجل التاريخ الأسود في ظل أنظمة الإجرام، كما يمثل حالة المستقبل التي ستكون فيه الأمة فعلا خير أمة أخرجت للناس عندما تحمل الإسلام رسالة هدًى ونور للعالم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ إبراهيم حجات
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية الأردن