Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف الربا

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ…..

جاء في شرح النووي على مسلم: قَوْله: لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِل الرِّبَا وَمُوكِله وَكَاتِبه وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: هُمْ سَوَاء )، هَذَا تَصْرِيح بِتَحْرِيمِ كِتَابَة الْمُبَايَعَة بَيْن الْمُتَرَابِينَ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمَا.

وَفِيهِ: تَحْرِيم الْإِعَانَة عَلَى الْبَاطِل. وَاَللَّه أَعْلَم.

إنَّ حُكمَ تحريمِ الربا هو من المعلوم من الدِّينِ بالضرورة …. فقد جاء تحريمُهُ في آياتٍ محكمات …. تحريما صريحا واضحا لا مجالَ فيهِ للاختلافِ أو التأويل ….

((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) ))

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) ))

وواقع الربا أنه استغلال لجهد الناس …. فهو جزاء من غير بذل جهد وفائدة مضمونة تؤخذ على المال … وهذا يعارض القاعدة الشرعية التي تقول: ” الغرم بالغنم “…. وهذا ليس تعليلا لتحريم الربا بل بيان لواقعه وإلا فإن التحريم قد جاء بالنص عليه صراحة في آية الربا وليس استنباطا ولا تعليلا

فالشرعُ منع الربا منعاً باتاً مهما كانت نسبته، سواء أكانت كثيرة أم قليلة. ومال الربا حرام قطعاً، ولا حق لأحد في ملكيته، ويردّ لأهله إن كانوا معـروفيـن.

 

روى مسلم في صحيحه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ…. )

 

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الأموال الربوية:

روى النسائي في سننه

أَنَّ عُبَادَةَ ( يعني: بن الصامت )

قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ بُيُوعًا لَا أَدْرِي مَا هِيَ أَلَا إِنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَإِنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ يَدًا بِيَدٍ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا وَلَا تَصْلُحُ النَّسِيئَةُ أَلَا إِنَّ الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ مُدْيًا بِمُدْيٍ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ يَدًا بِيَدٍ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا وَلَا يَصْلُحُ نَسِيئَةً أَلَا وَإِنَّ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مُدْيًا بِمُدْيٍ حَتَّى ذَكَرَ الْمِلْحَ مُدًّا بِمُدٍّ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى.

وحديثُنا لهذا اليوم يبينُ عِظَمَ جُرمِ مَنْ يُعِينُ على ارتكاب هذه المعصية الكبيرة, إذ جعلَ لعنةَ اللهِ تشملُ مَنْ يَقْبَلُ بِدَفْعِ الربا أوْ كِتَابَةِ عقده أوِ الشهادةِ عَلَيْهِ, كما تشملُ آكل الربا سواء بسواء …..فكيف بالذين يلبسون على المسلمين دينهم, ويُفْتُونَ بِحِلِّ بعضِ المعاملات الربوية بِحُجَجٍ وآهِيَةٍ ليسَ لهم عليها من دليل ولا برهان …

لا شك أن اللعنة تشملهم فهم شركاء في الإعانة على ارتكاب هذه الكبيرة …إذ هم يُضَلِّلًونَ الناسَ ويوقعونهم في المحظور …. أحيانا بتسمية الربا فائدة …..

وأحيانا بتعليل التحريم إن كانت الفائدة الكبيرة أما إن كانت الفائدة قليلة فالربا حلال, وأحيانا يحتجون بالضرورة لحفظ أموال الأيتام وتنميتها لهم …. أو حاجة الناس للتعامل مع المصارف الربوية التي توفر التمويل لمشاريعهم ربحية كانت أم خدمية مقابل فوائد ربوية مع أن الشرع كان صريحا في تحريم الربا قطعيا ولم يستثن شيئا أو يعلل التحريم بعلة …. فكيف سيقفون أمام الله تعالى, وما هي حجتهم التي سيقدمونها له … وهو العلام الخبير ….

إن المسلمين مخاطبون بأحكام الشرع, في كل وقت وحين …. وما كان الزمان ولا المكان عائقا أمام التزام أحكام الشرع الحنيف….. وما كان النظام الرأسمالي العفن بمرغمٍ المسلمينَ الأتقياءَ على معصية الله, ولقد كان الأجدر بالمفتين بجواز التعامل بالربا تحت ضغط الحاجة أن يعلموا الناس التكافل فيما بينهم ….أن يقرؤوا عليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً).

وأن يعلموهم أن المضاربة, والمساقاة, بل والشراكة بكل أنواعها خيارات شرعية تحل مشكلة القروض إن عدمت القروض بلا فوائد ربوية …..

هذا إلى جانب إعلامهم بفرضية العمل لإعادة دولة الاسلام التي ستطيح بالنظام الرأسمالي الجشع وتعيد تطبيق أحكام الاسلام السمحة …. حيث لا ربا ولا استغلال بل رعاية وحماية من قبل الدولة لكل رعاياها …. تكفي من لا يجد الكفاية, وتقرض من لا يجد من يقرضه, وتعطي من يحتاج العطاء. فتحفظ للناس كرامتهم وماء وجههم …. وتأخذ بيدهم للحصول على كفايتهم والتوسعة على أنفسهم وعيالهم مع حفظ كرامتهم وهيبتهم.

هذا هو دور علماء الأمة وهذا ما يليق بهم ويتوقع منهم …. لا أن ينغمسوا في الواقع, ويلتصقوا به ثم يجذبوا أبناء الأمة إليهم ليجهدوهم في الدنيا ويردوهم في الآخرة.

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.