رسالة مفتوحة إلى ربيحة ذياب وزيرة شؤون المرأة في السلطة الفلسطينية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنني وبصفتي إحدى نساء حزب التحرير أريد بداية أن أوضح لك – إن كنت لا تعلمين – مكانة المرأة في الإسلام؛ فقد كرم الإسلام المرأة وحفظ لها حقوقها منذ بزغ فجره، وضمن لها الأمان والحياة الكريمة، واعتبرها عرضا يجب أن يُصان، نعم هي عرض يجب أن يُصان وإنسان موفور الكرامة محفوظ المكانة، فهي معززة مكرمة في كل شؤون حياتها وفي كل مراحل عمرها… وتبوأت مكانا عليا في المجتمع الإسلامي، وكان لها دور ورأي يؤخذ به حتى في أمور الدولة، دور يشهد به التاريخ وتفخر به المرأة المسلمة، دور فاعل حقا وليس مجرد مقاعد في برلمانات صورية أو شعارات فارغة عن النضال والكفاح والمساهمة في بناء دولة من ورق.
وإن حزب التحرير، والذي وصفتِه يا سيادة الوزيرة أنه “من ألد أعداء المرأة”، وهو منذ إنشائه قد تبنى قضايا الأمة وهمومها وعلى رأسها العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وتحكيم شرع الله في الأرض… فماذا تعلمين عنه يا سيادة الوزيرة حتى تنعتيه بهذا الوصف!! ماذا تعلمين عن نسائه وشاباته اللواتي تبصرن الحق واتبعنه!!
إن حزب التحرير هو العين الساهرة على مصالح المرأة مثل غيرها من أفراد هذه الأمة، وإن للمرأة دورًا فيه مثلها مثل الرجل؛ فهي شريكته ونصف المجتمع، وكان لحقوقها وقضاياها نصيب وافر من عمله، وكتبه ومتبنياته بها جل ما يلزمها معرفته واتباعه من أحكام تصون لها حقوقها وتبين لها دورها الأصلي الذي فطرها الله عليه بحيث تكون القلعة الحصينة لأسرتها وبيتها وأطفالها، بالإضافة إلى تعريفها بكافة حقوقها السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها…
ولكن الغرب وأعوانه من الذين يكيدون للإسلام وأهله، إما بعلم وإما بجهل وغباوة لم يعجبهم هذا، وكانت قضية إبعادها عن جوهر هذا الدور الأصلي شغلهم الشاغل؛ لأنهم يعلمون أنهم بهذا يقضون على جيل كامل قادم يمكن أن يعيد دولة الإسلام، ويحولونه إلى جيلٍ مسخ تكون قدوته ممثلة أو مغنيًا أو لاعب كرة قدم، أو بائعًا لدينه وقيمه، أو غيرهم ممن تشبع بهم النظام الرأسمالي العفن الذي ترزحون تحته وتتوقعون منه تحرير الأقصى، بدل أن يكون قدوته صلاح الدين وسمية أم عمار ونسيبة المازنية وخولة بنت الأزور..
تقولين يا سيادة الوزيرة “وليعلم الجميع أن التمويل (للجمعيات النسوية) هو حق للشعب، ونستخدمها للتوعية والتمكين وللتعديل القانوني، من أجل أن تأخذ المرأة حقها بالمساواة، ولنعيش في مجتمع متفهم ومتطور خالٍ من كل أشكال العنف”، ألم يخطر ببالك لمَ يكون هذا التمويل!! وكيف تتغلغل هذه الجمعيات في البلدان الإسلامية!!
ألا تعلمين – أو أنك تعلمين وموافقة فعلا – أن هذه الحركات والجمعيات النسوية التي انتشرت في العالم الإسلامي والعربي بشكل كبير وملحوظ واتخذت أسماء وأساليب مختلفة هي من أساليب الحرب ضد المرأة المسلمة!!
دعيني إذن أعرِّفك بدورها إن كنت جاهلة به، لأنك إن كنت لا تدرين فتلك مصيبة وإن كنت تدرين فالمصيبة أعظم، لو ألقينا نظرة فاحصة على أهداف هذه الجمعيات وبرامج أعمالها يتبين أنها أسلوب من أساليب حرب الأفكار، وأن الدور الذي تلعبه هو دور مشبوه وخطير، إنها تقدم خدمة للبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية للغرب الكافر المموّل لتلك المنظمات والذي يستميت في العمل للحيلولة دون عودة الإسلام إلى واقع الحياة.
وهذا ليس تكفيرا لمسلمين، بل هو توضيح للدور المشبوه لتلك الجمعيات التي تركز في بداية وجودها على تقديم خدمات الرعاية للفقراء من توفيرٍ للحاجات الأساسية والصحة والتعليم وتقديمٍ للمساعدات عند حدوث كوارث طبيعية كالفيضانات والمجاعات والحروب وما ينتج عنها من أعداد كبيرة من اللاجئين، وقد كان التمويل يتم من التبرعات الخاصة والأسر الراعية لهذه المنظمات، وعلى مرّ الزمن ازدادت هذه المنظمات بكثرة وتنوعت أدوارها وبرامجها وأنشطتها، وأمدتها الدول بالأموال لتنفيذ أجندات تخريبية في بلاد المسلمين، فأصبحت تهتم بقضايا أخرى كالبيئة والعدالة الاجتماعية والمرأة والشباب والطفل وحقوق الإنسان والديمقراطية والعنف… الخ.
وإن هذه المراكز عادة ما تبدأ مشوارها ببرامج ترفيهية لا فكرية، وأحيانا يلحقها توزيع مواد غذائية وحاجات أخرى على الأسر المحتاجة والأيتام، وإذا ما اطمأنت النساء إليها وأصبحن يرتدن المكان كشفت هذه المراكز الخبيثة عن خططها الماكرة وبدأت تبث سمومها في عقول نسائنا بالتزامن مع البرامج والدورات الرياضية واللياقة والطبخ والأشغال اليدوية التي تُدِرُّ ربحا على النساء، وكثيراً ما يلحق بالمراكز رياض أطفال ودورات مساعدة لدراستهم ومخيمات صيفية وأماكن لهو وترفيه، كل ذلك تشجيعا للمرأة على الحضور إلى المراكز وهي مطمئنة على نفسها وأطفالها!
وإذا أردنا – يا سيادة الوزيرة الحريصة على شؤون المرأة والأسرة – أن نبين واقع المحاضرات التي تقدم في تلك المؤسسات والمراكز وما يتم فيها من مناقشات، فسوف نؤكد على أن هذه المناقشات غالباً ما تكون فضحاً لأسرار البيوت وللأبناء والأزواج وما يفعلونه مع نسائهم، وما إلى ذلك من أمورٍ شدد الإسلام على المحافظة على سريتها وعدم إخراجها خارج بيت الزوجية خوفاً من إشاعة المنكرات والفواحش وهتك الأسرار، هذا فضلاً عن الحلول الخبيثة المفسدة التي يعطونها للنساء غير الراضيات عن حياتهن وعلاقاتهن العائلية، مثل أن رفع قضية على الزوج أمر طبيعي وحق من حقوقها حتى لو كان الأمر يتعلق بقوامة الرجل عليها، وأن الأصل أن تدور نقاشات جنسية موسعة بين الأم وأبنائها وبين المعلمة وطالباتها لتوعيتهن وتحذيرهن ومساعدتهن في كيفية الحفاظ على أنفسهن من الاعتداءات حتى من أقرب الأقرباء لهن، مما يجعل الفتاة تخاف من أبيها وأخيها وخالها وعمها وتنقطع الأرحام وتسوء العلاقات الأسرية، تماما كما هو حال الأسرة في الدول الديمقراطية الغربية.
أم إن هذا من الأهداف والغايات!!
ولا ننسى المحاضرات والدروس حول المساواة التامة بين المرأة بالرجل، وأن أعمالها في البيت آتية من العادات والتقاليد التي فرضها المجتمع، متجاهلين أنه فرض فرضه الله سبحانه وتعالى عليها أو حسب وصفك “هناك موروث ثقافي سيء وارتقت العادات إلى مستوى الدين وليس للدين علاقة بالموضوع”، وهم كذلك يعطونها محاضرات في التعريف بحقوقها وكيفية الحصول عليها، خاصة حينما يتعرضن للعنف الأسري والاعتداءات حسب ادعائهم، هذا العنف الذي تريدون تطبيق اتفاقية سيداو الخبيثة من أجل الحد منه! هذه الاتفاقية التي تريدون بها إعادة بناء حياة الأسرة بتغيير الأحكام الشرعية لتوافق الرأسمالية، وذلك بحجة الحرية والمساواة والحداثة والحقوق وغير ذلك من الشعارات الخادعة الزائفة.
نراكم تتصدرون الصحف والإذاعات تشجبون وتستنكرون حالات القتل لما يسمى “بجرائم الشرف” والتي بالغتم في عددها وكأنها أصبحت ظاهرة، وقلتم كلمة حق أريد بها باطل بأن كل الأديان حرمت القتل، واتخذتموها ذريعة لتغيير أحكام الإسلام بما تسمونه تغيير قوانين الأحوال الشخصية، بينما تناسيتم جرائم كثيرة ترُتكب بحق المرأة وتغافلتم عن حقوقها الكثيرة المهضومة؛ منها حق النفقة الواجب على الرجل تجاه المرأة بحيث اضطرت للخروج للعمل للإنفاق على نفسها وأحيانا أطفالها، فلم نسمع أصواتكن تطالبن بإعطائها هذه الحقوق التي كفلها لها الإسلام، وحتى جرائم الزنا فإن أحكامها واضحة في الإسلام، ولكنكم تريدون أن تجعلوا المرأة تفعل ما تشاء أينما تشاء وكيفما تشاء بحجة الحرية والمساواة، ألا بئس ما تحكمون.
وفي الختام فلك منا هذه النصيحة يا سيادة الوزيرة: أن لا تهرفي بما لا تعرفين، وأن لا تأخذك العزة بالإثم، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين… وإن نظرة حزب التحرير للمرأة منبثق من نظرة الإسلام لها، يقول رب العزة: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)).
أم صهيب الشامي
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير