هجمات الطائرات بدون طيار نواز شريف يجبن أمام أوباما ويعود خالي الوفاض
في 25 من تشرين الأول/أكتوبر 2013م، أدان سفير باكستان لدى الأمم المتحدة هجماتِ الطائرات بدون طيار الأمريكية، وأكدّ أنها تُشكل انتهاكا جسيما لسيادة باكستان وللقانون الدولي، حيث قال: “قتل المدنيين والأبرياء هو انتهاك واضح للقانون الدولي، وندعو إلى الوقف الفوري لهجمات الطائرات بدون طيار داخل الحدود الإقليمية لباكستان”.
وفي وقت سابق من الأسبوع نفسه، التقى رئيس وزراء باكستان (نواز شريف) بالرئيس الأمريكي (باراك أوباما) في البيت الأبيض، وطالب بإنهاء هجمات الطائرات بدون طيار، وقال للصحفيين في نهاية رحلته أنّه “شدد على ضرورة وضع حد لهذه الهجمات”.
لقد تعرضت الأراضي الباكستانية منذ عام 2004م، إلى أكثر من 365 هجمة من قبل الطائرات بدون طيار الأمريكية، وهذه الطائرات ذات الأجنحة الثابتة “الروبوتية” تقتل دون تمييز الآلاف من الأبرياء.
ووفقاً لمكتب الصحافة الاستقصائية، فقد قُدر عدد الذين قتلتهم الطائرات الأمريكية بما يتراوح بين 2525 و 3613، وهذا التقدير أعلى بكثير من الرقم الذي أقرّ به مسئولون في الأمم المتحدة، ومسئولون باكستانيون.
إنّ التقارير المغلوطة عن الأرقام الحقيقية لضحايا الهجمات ليست الجريمة الوحيدة التي يُتهم بها المسئولون الباكستانيون، بل هناك أيضاً اعتقاد شائع داخل باكستان وخارجها، بأنّ القيادة المدنية والعسكرية الباكستانية تتعاون مع أمريكا للقيام بهجمات الطائرات بدون طيار.
فبالرغم من أن الطائرات بدون طيار يتم التحكم بها عن بعد، إلا أنها تتطلب من الاستخبارات على الأرض المستهدفة تحديد الوقت الصحيح للقيام بالضربات ولتعقب ضحاياها، وهذا يتطلب وجودًا غير عادي من الدعم والتعاون من قبل الدولة الباكستانية.
ولولا مثل هذا التواطؤ، لكانت الطائرات بدون طيار الأمريكية تحلق على غير هدى، ولكانت ضرباتها غير فاعلة وغير موفقة.
وبعد مناشدة شريف لأوباما لإنهاء هجمات الطائرات بدون طيار بيوم واحد، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا يكشف تأييد الحكومة الباكستانية لضربات الطائرات بدون طيار لسنوات عديدة سراً، وتكتمها على الخسائر البشرية، ويستند التقرير على وثائق وكالة المخابرات المركزية السرية والمذكرات الدبلوماسية الباكستانية.
وفي أحد الاقتباسات من الصحيفة: “تضمنت الوثائق تفاصيل عن 65 ضربة في باكستان، تم وصفها بأنها “موضوع حديث” جلسات وكالة المخابرات المركزية، وقد أصبحت مسألة روتينية، وتم ختمها بختم “سري للغاية” ولكن تم إطلاع باكستان عليها”.
لقد اعترف مسئولون باكستانيون، حاليون وسابقون، بأنّ باكستان والولايات المتحدة تعملان معاً على شن غارات بطائرات بدون طيار داخل باكستان.
ففي أيلول/سبتمبر من عام 2013م، اعترف خرام داستيجير خان (عضو بارز في الحكومة الباكستانية الحالية) أمام الجمعية الوطنية، بأن هناك “دعماً ضمنياً” من قبل أجهزة الدولة في باكستان، لتوجيه ضربات طائرات أمريكية بدون طيار، وقد يستمر ذلك.
وخلال مقابلة له في عام 2013م، اعترف الرئيس الباكستاني السابق وقائد الجيش (برويز مشرف) بأنه قد أعطى الولايات المتحدة الأمريكية إذناً لبعض ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في المناطق القبلية خلال فترة ولايته، والتي انتهت في آب/أغسطس 2008م.
كما نشرت ويكيليكس تفاصيل عن مسئولين باكستانيين كانوا يوافقون على هجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار.
وفي عام 2008م، وافق رئيس الوزراء الباكستاني (يوسف رضا جيلاني) شخصياً على غارات بالطائرات الأمريكية بدون طيار في المناطق القبلية الباكستانية على طول الحدود الأفغانية؛ لمحاربة طالبان.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه نواز شريف ينكر تورطه في مساعدة برنامج الطائرات بدون طيار الأمريكية، يأتي البيان المشترك عقب زيارته للبيت الأبيض فينفي إنكاره هذا.
كما أنّه لم يذكر وقف هجمات الطائرات بدون طيار في بيانه الذي احتوى 2500 كلمة، واقتصر على إشارة عابرة إلى احترام “سيادة وسلامة الأراضي”، فبدا الأمر كما لو كان المقصود من الزيارة كلها إثارة الموضوع ليس أكثر.
لذلك يظهر بشكل واضح أنّ القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية غارقة في تقديم الدعم غير المحدود لأمريكا لتنفيذ هجمات الطائرات بدون طيار ولاغتيال المواطنين الباكستانيين، ولم يظهر عليها أي ندم على ذلك، ولم تحاول حتى تعويض الضحايا الأبرياء.
إنّها الخيانة العظمى والإثم العظيم من قبل القادة الباكستانيين الذين يستخفون بحياة الناس، إلى درجة أنهم لا يقوون حتى على الاستنكار على واشنطن لوقف الهجمات، قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)).
لو كان نواز أو أي من أسلافه صادقين في مسعاهم لوقف الهجمات، لما كانت هناك حاجة لرحلات التسول إلى واشنطن. فكل ما عليهم فعله هو سحب الدعم الأرضي، وطرد العاملين في الجيش الأمريكي والمتعاقدين الأمريكيين من الذين يتمتعون بحرية التحرك في البلاد، وهذا الإجراء وحده كافٍ لجعل الطائرات بدون طيار غير فعّالة.
والأصل أن أية طائرة بدون طيار تنتهك المجال الجوي الباكستاني تُفتت إلى قطع متناثرة، وهذان الإجراءان كافيان لوضع حدٍ لهذه الطائرات، ولإعطاء باكستان بعضَ الراحة من الحرب الأمريكية العالمية ضد الإسلام.
ومع ذلك، فإن الحل الجذري، للتخلص من هيمنة أمريكا وتدخلها في البلاد، يتطلب من الشعب الباكستاني التخلص من هؤلاء القادة الذين يضعون البلاد رهينة النزوات الأمريكية، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا عن طريق التخلص من النظام الفاسد الحالي والاستعاضة عنه بنظام دولة الخلافة، التي لن تكتفي بالدفاع عن الحدود الباكستانية فحسب، بل وستلقن القوات الأجنبية دروساً لانتهاكها سيادة البلاد وسلامة أراضيها.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) [سورة الأنفال: آية 24].
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عابد مصطفى